تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة رئيس مجلس المستشارين بالمملكة المغربية، رئيس رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي في اللقاء التشاوري الحادي عشر للرابطة

2024-09-26

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على أشرف المرسلين

معالي السيد المحترم الوزير الأول لجمهورية غينيا الاستوائية الصديقة،

معالي السيد رئيس مجلس النواب لجمهورية غينيا الاستوائية المحترم،

معالي السيدة المحترمة رئيسة مجلس الشيوخ بجمهورية غينيا الاستوائية،

معالي السيد رئيس البرلمان الإفريقي المحترم،

معالي السيد عادل بن عبد الرحمن العسومي، رئيس البرلمان العربي المحترم،

أصحاب المعالي رئيسات ورؤساء المجالس والوفود الأعضاء في الرابطة المحترمون،

أصحاب السعادة أعضاء الوفود ورؤساء البعثات الدبلوماسية المحترمون،

السيدات والسادة الحضور الكرام كلا باسمه وصفته،

في البداية، يسرني ويسعدني أن أعرب عن سروري واعتزازي الصادقين بالتواجد معكم في هذه المدينة الجميلة مالابو، عاصمة جمهورية غينيا الاستوائية الصديقة، مغتنما هذه المناسبة لأنقل جزيل شكري وعظيم امتناني وتقديري لجمهورية غينيا الاستوائية، حكومة وبرلمانا وشعبا على كرم وحسن الضيافة وحفاوة الاستقبال اللذين حظينا بهما منذ أن وطأت أقدامنا أرض هذا البلد الجميل. الشكر موصول لكل المنظمين الذين أشرفوا على تمكيننا من الالتئام في هذا المكان الرائع بحرفية عالية وبجهود مقدرة.

إنها مناسبة كذلك السيدة الرئيسة المحترمة، لتهنئتكن وتهنئة الشعب الغيني الاستوائي الشقيق على ما لمسناه في بلادكم من جو الأمن والاستقرار والتنمية والتقدم تحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية، السيدTeodoro Obiang Nguema Mbasogo ، وعلى ما يعبر عليه من مواقف تدعم القضايا العادلة لقارتنا الإفريقية.

كما يشرفني أن أعبر لكم عن سعادتي بأن نجتمع اليوم في هذا اللقاء التشاوري الهام، باستضافة كريمة من جمهورية غينيا الاستوائية الصديقة، من خلال معالي السيدة Asangono Teresa Efua، رئيسة مجلس الشيوخ، العضو الفاعل في رابطتنا، نلتئم من أجل التداول وتعميق النقاش وتبادل الآراء بشأن موضوع رئيسي على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لمنطقتينا الإفريقية والعربية ودول الجنوب بشكل عام، وهو "تعزيز العمل البرلماني المشترك لدول الجنوب من أجل مواجهة الرهانات التنموية والتحديات التكنولوجية والبيئية".

إنه موضوع شامل يحمل في ثناياه العديد من التحديات متعددة الأبعاد والرهانات والإكراهات المتلاحقة والمتعاظمة، ولكن يحمل أيضا الطموح الجماعي والرغبة الأكيدة من أجل تعزيز العمل الإفريقي العربي المشترك، وتوحيد الرؤى والجهود بهدف مجابهة هذه التحديات وإيجاد الحلول المشتركة وتحقيق التنمية المنشودة على أسس من التضامن والتعاون المثمر والبناء.

السيدة الرئيسة، حضرات السيدات والسادة،

إن تنظيم هذا الاجتماع يأتي في إطار برنامج عمل الرابطة والدور الذي تضطلع به في تنفيذ الأهداف التي تأسست قبل 22 سنة من أجلها. فالرابطة هي المنصة البرلمانية الوحيدة التي تجمع المؤسسات التشريعية بالعالمين العربي والإفريقي وتبذل جهودا مقدرة لتعزيز مسار التعاون العربي الإفريقي على مختلف الواجهات ومن منظور سياسي واقتصادي واجتماعي. كما تساهم رابطتنا في ترسيخ أسس الحوار البرلماني المنتظم مع الاتحادات والمنظمات الإقليمية والقارية والدولية، بغاية خلق جسور التفاهم والتلاقح إسهاما منها في تحقيق التطلعات المشتركة لشعوب الفضاءين العربي والإفريقي بشكل خاص ودول الجنوب بشكل عام.

كما يأتي تنظيم هذا اللقاء من الإيمان بأهمية تبادل الأفكار والرؤى والتشاور حول القضايا الاستراتيجية الراهنة. فمثل هذه الاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات البرلمانية تكتسب أهميتها من كونها توفر فرصة لتبادل الخبرات والتجارب الوطنية والإقليمية والتداول حول مختلف المواضيع، وتشكل أرضية مناسبة يمكن أن تبنى عليها مستويات عديدة من التعاون المشترك بين الدول الأعضاء، وبما يتيح أفقا ملموسا للتكتل السياسي والاقتصادي.

السيدة الرئيسة، حضرات السيدات والسادة،

ينعقد اجتماعنا اليوم في سياقات عالمية وإقليمية دقيقة تتسم بجملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية والجيوسياسية، التي لها انعكاسات مباشرة على متطلبات الحياة الكريمة لشعوبنا، وهذه التحديات التي نشترك فيها، لاعتبارات تاريخية وأحكام جغرافية ومصير مشترك، تحتم علينا ابتكار المبادرات والحلول المناسبة بعيدا عن أشكال التعاون التقليدية التي أصبحت غير ‏قادرة على الاستجابة للحاجيات ‏المتزايدة لشعوب بلداننا أمام هذا الجيل الجديد من التحديات والرهانات المرتبطة بالتطور التكنولوجي والابتكار والرقمنة والذكاء الاصطناعي، الذي أصبح حاضرا بشكل متزايد ومتنامي في كافة مجالات الحياة اليومية الاجتماعية والاقتصادية للإنسان المعاصر، ناهيك عن معضلة تغير المناخ وتأثيراته متعددة الأبعاد، وكذا الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والتي تزيد من حدتها تداعيات عدم الاستقرار السياسي والحروب الجارية في المنطقتين الأورومتوسطية والشرق الأوسط، لاسيما الحرب على غزة وما خلفته من ضحايا أبرياء.

وفي هذا الصدد نجدد التذكير بمضامين البيان الختامي للمؤتمر البرلماني للتعاون جنوب-جنوب الذي نظمته رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي يومي 15 و16 فبراير 2024 بالعاصمة الرباط، والذي أجمع من خلاله المشاركون على "إدانة الحرب والكارثة الإنسانية في غزة ومطالبة المجتمع الدولي بإيقافها فورا إعمالا للقانون الدولي وحقنا لدماء الأبرياء وتحقيقا للاستقرار والسلم الدوليين".

السيدة الرئيسة، حضرات السيدات والسادة،

إننا اليوم أمام ضرورة تاريخية ملحة، في طريقنا نحو التعاطي مع هذه التحديات. لدينا نحن في المنطقتين العربية والإفريقية بشكل خاص ودول الجنوب بشكل عام المقومات المادية والبشرية والقواسم التاريخية والثقافية والحضارية المشتركة التي تمثل أرضية صلبة لبناء جبهة موحدة وتعزيز تضامننا أمام الأزمات والتحديات المشتركة على كافة الأصعدة وتمكننا من تحقيق النمو والازدهار والسلام وتوفير فرص حقيقية للتنمية المستدامة.

فقناعتنا راسخة بأن الخيار الاستراتيجي لتعزيز مسار التنمية المستدامة وتمتين نسيج المصالح الاقتصادية والروابط الإنسانية، وكذا لتحقيق التكامل والاندماج، يأتي عبر تعزيز التعاون جنوب – جنوب، وتقوية الحوار بين البرلمانات والمجالس التشريعية والاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية والدولية، كـأداة رئيسية من أدوات الفهم المشترك للقضايا والتحديات المعاصرة وقناة هامة من قنوات تبادل الخبرات والتجارب والمعارف في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وكآلية هامة لإقامة جسر للتعاون والتفاعل بما يحقق التفاهم الإقليمي والدولي ويخدم القضايا المشتركة.

السادة الحضور الكرام، إن هذه المرتكزات والاعتبارات تزيدنا إيمانا بأهمية الدور الذي تلعبه المبادرات الإقليمية والتكتلات الجهوية في تحقيق التنمية وإرساء دعائم قوية الأساس لمستقبل اقتصادي أكثر تطورا واستدامة، فالتنمية مرتبطة بشكل رئيسي بتعزيز التعاون والتضامن والشراكات الاستراتيجية الإقليمية، ضمن منظومة سوسيو اقتصادية مندمجة.

السيدة الرئيسة، حضرات السيدات والسادة،

ارتباطا بالموضوع الثاني على جدول أعمال لقاءنا اليوم المتعلق بالذكاء الاصطناعي، فحضوره المتعاظم وإنجازاته الحالية والمتوقعة، وكذا تأثيره على كافة مناحي الحياة اليومية للإنسان وعلى مختلف أنشطة الاقتصادية، يجعله واحدا من أعظم الثورات التكنولوجية في عصرنا الحالي، والذي يفتح من جهة الطريق أمام آفاق واسعة للتنمية في مجالات متعددة للنشاط البشري التي ينبغي استثمارها لتحقيق الأهداف التنموية المنشودة. ولكن من جهة أخرى فإنه يكرس زيادة الفجوة بين الاقتصادات الكبرى، وتلك النامية والناشئة ومنها دول الجنوب، ويبرز على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، المخاوف المتعلقة بانتهاك الخصوصية وأمن البيانات والمعلومات، ناهيك عن الآثار الحتمية على الهياكل الإنتاجية وسوق العمل وإزاحة الوظائف وعدم المساواة الاقتصادية، مما سيؤدي إلى اضطرابات كبيرة في سوق العمل، وكل ما قد يترتب على ذلك من عواقب على توازن النظام الاقتصادي والاستقرار المالي والتماسك الاجتماعي.

وفي هذا الإطار، يأتي دورنا الهام كبرلمانيين في تأطير وتنظيم الذكاء الاصطناعي من خلال عدة جوانب، أذكر منها:

  • سن التشريعات والقوانين التي تحكم تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي؛
  • مراقبة تنفيذ هذه القوانين والتأكد من التزام الشركات والمؤسسات بها؛
  • تخصيص الموارد والميزانيات اللازمة للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي؛
  • تعزيز الشفافية في استخدام الذكاء الاصطناعي وآثاره على المجتمع؛
  • تنظيم ندوات لتوعية الجمهور وصناع القرار بتحديات وفرص الذكاء الاصطناعي؛
  • المشاركة في وضع معايير دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي عبر الحدود.

السيدة الرئيسة، حضرات السيدات والسادة،

أما بخصوص المحور الثالث المرتبط بالتصحر، فقد باتت هذه الظاهرة قضية عالمية لها أثار خطيرة على حياة الإنسان على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وأضحت من أخطر المشاكل البيئية التي أسهم الإنسان في السنوات الأخيرة في حدوثها ومفاقمتها.

واسمحوا لي أن أشير هنا إلى بعض الحقائق الهامة عن التصحر، فقد أصبحت هذه الظاهرة وتعاقب فترات الجفاف، وماينتج عنه من تدهور للتربة، يشكلان تحديا كبيرا وحقيقيا، حيث مست آثارهما، خلال العقدين الماضيين، أكثر من مليار ونصف شخص يعيشون في مائة بلد في العالم، وتسببا في خسائر اقتصادية تفوق 124 مليار دولار. وبالنسبة للبلدان العربية، فإن الأراضي القاحلة تشغل أكثر من 50% من مساحة الوطن العربي وأن 20% من الأراضي الزراعية مهددة بالتصحر. أما في إفريقيا، فقد أصبح التصحر يهدد ملايين الهكتارات، بفعل زحف الرمال الذي يتزايد في بعض المناطق بمعدل خمسة كيلومترات في السنة، علما بأن تدهور الأراضي يشكل عاملا يسهم في استفحال أوجه الضعف والهشاشة.

ووفقا لسيناريو تغير المناخ سيعيش ما يقارب نصف سكان العالم في عام 2030 في مناطق تعاني من ندرة المياه بصورة كبيرة، وبالتالي، فقد أصبح الأمن الغذائي والأمن الإنساني، والأمن بشكل عام، إلى جانب الأمن البيئي، موضوعا على المحك.

وانطلاقا من خطورة هذا الوضع على الأمن الغذائي حاضرا ومستقبلا، فإنه ينبغي اتخاذ إجراءات جدية لمواجهة التصحر وتحييد تدهور الأراضي والتخفيف من الجفاف وتنمية الموارد الطبيعية وتحسين سبل العيش في المناطق الجافة وشبه الجافة ومكافحة زحف الرمال وتنمية المراعي، وذلك من خلال استراتيجيات مستدامة لإدارة الأراضي وحماية الموارد الطبيعية.

ففي هذا السياق تضطلع البرلمانات والحكومات بدور كبير وحيوي في مجال مكافحة التصحر، فهي مطوقة بمسؤولية وضع إطار تشريعي لسياسات بيئية قوية للحد من التصحر، وتعزيز التعاون بين الحكومات والمؤسسات البيئية والمنظمات غير الحكومية.

السيدة الرئيسة، حضرات السيدات والسادة،

ختاما، أود التأكيد على أن اجتماعنا اليوم يكتسي أهمية خاصة كونه يكرس أعماله لبلورة رؤية عربية إفريقية برلمانية لمواجهة التحديات الراهنة المحدقة بالعالمين العربي والإفريقي، وهي تحديات، وإن كانت تختلف من بلد لآخر، إلا أن ثمة قواسم مشتركة تجمع بينها، وأن التغيرات المتسارعة في العالم تستدعي منا جميعا انتباها كاملا وإرادة جماعية للتحرك والفعل.

وإنني على يقين تام بأن السيدات والسادة الرئيسات والرؤساء وأعضاء الوفود والخبراء سوف يثرون المداولات والنقاشات التي ستجري حول مواضيع ومحاور هذا الاجتماع من خلال أوراقهم ومداخلاتهم وما يمتلكونه من أفكار نيرة وخبرات واسعة على النحو الذي يمكن هذا الاجتماع الهام من الخروج بتوصيات هامة تصب في تعزيز العمل البرلماني المشترك لبلداننا من أجل مواجهة الرهانات التنموية والتحديات البيئية.

مرة أخرى أجدد شكري وتقديري لمجلس الشيوخ في جمهورية غينيا الاستوائية الصديقة، برئاسة معالي السيدة Asangono Teresa Efua، على الجهود المقدرة التي بذلها في سبيل تنظيم هذا اللقاء الهام متمنيا أن تكلل أشغاله بالنجاح. شكرا لكم جميعا على حسن الاستماع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.