تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة رئيس مجلس المستشارين ـ الاتحاد البرلماني العربي

2017-03-20

الرباطـ : 20 مارس 2017

بسم الله الرحمان الرحيم

أيتها السيدات و السادة،

 

       يشرفني أن أتقاسم معكم، من موقع مسؤوليتي كرئيس لمجلس المستشارين،  بعض الأفكـار  و المقترحات المتعلقة بتتبع و إعمال بعض القرارات الصادرة عن المؤتمر 23 للاتحاد البرلماني العربي المنعقد بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة بتاريخ 10 و 11 أبريل 2016.

 غير أن من الضروري أن أشير في البداية إلى معاينة، سبق أن أثرتها السنة الفارطة و مفادها  استمرار  العجز البنيوي لما تبقى من منظومتنا الإقليمية للعمل المشترك، على العمل الفعال لإيجاد حلول عربية للتحديات العابرة للحدود كالإرهاب، و الجريمة المنظمة، و الهجرة و الاتجار بالبشر...، و كذا للأزمات الإقليمية (مشكل تنظيم داعش في سوريا و العراق، الآثار  الإقليمية لحرب اليمن، توتر العلاقات بين إيران و دول الخليج، الانهيار المزمن للدولة في كل من الصومال و ليبيا، مخاطر انهيار منظومة الدولة في لبنان، مخاطر المس بالسلامة الإقليمية لعدد من الدول)، علاوة على عجزنا البنيوي و التاريخي عن التأثير من أجل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.  

  ورغم جسامة هذه التحديات، فإنه لا شيء يمنع  الاتحاد البرلماني العربي من التفكير و العمل على مبادرات متسمة بالجرأة و الابتكار  من أجل المساهمة في بناء عناصر حلول لتجاوز الصعوبات و المآزق المتعلقة بهذا الوضع.  ذلك أني أرى أن هناك دائما فرصة سانحة لإجراء الانتقال الذي يعتبر ضروريا  من مجرد إصدار بيانات و توصيات و تطوير الاستراتيجيات على أهميته إلى  اتخاذ مبادرات عملية من شأنها النزول بثقلنا الإقليمي، عبر البرلمانات التي تمثل شعوبنا على تنوعها،   للمساهمة في حل المشاكل الأساسية لمنظومتنا الإقليمية التي سبق لي ذكر أهمها.  ذلك أن التحمل السلبي لأزمات الوضع العربي الراهن ليس قدرا محتوما، إذ أنه لا زال بمقدورنا، حكومات و برلمانات و قوى سياسية و مدنية و اجتماعية أن نحد من الآثار السلبية لهذا الأزمات، كما لا زلنا نتوفر على حظوظ الخروج من مآزقنا التاريخية. و هنا فإن برلمانات دولنا التي تمثل أو تعبر عن مجتمعاتها بأشكال و أنماط مختلفة يمكن أن تلعب دورا أساسيا في هذا المجال.

و في هذا الصدد، فإنه في نفس الوقت الذي أثمن فيه مختلف القرارات الصادرة عن المؤتمر 23 للاتحاد البرلماني العربي و على رأسها  القرارات المتعلقة بقضيتنا جميعا، القضية الفلسطينية، فإني أدعو إلى التسريع بأجرأة استراتيجية عمل الاتحاد البرلماني العربي المشار إليها في القرار 23 / مؤ 23 ، بناء على نتائج عمل اللجنة المصغرة المنبثقة عن اللجنة التنفيذية للاتحاد التي شكلت بناء على توصيتها في الدورة 18 للجنة المذكورة.

و فيما يتعلق بالقرار رقم 24 / مؤ 23 الخاص بتوحيد التشريعات غير الخلافية فإني أود أن أترافع أمامكم على فكرة مفادها أن إعداد النماذج الاسترشادية للقوانين ليست فقط أداة لتوحيد المعايير القانونية في الدول العربية و إنما ينبغي النظر إليها كأداة و رافعة لملاءمة منظوماتنا القانونية الوطنية مع التزاماتنا الاتفاقية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان و مع متطلبات دساتير بلداننا بما يكفل  تسريع الإصلاحات المؤسساتية و الاقتصادية و الاجتماعية الضرورية التي تمكن كل فئات مجتمعاتنا و شعوبنا من الولوج إلى حقوقهم المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية.  و هي كلها رهانات تتوقف قبل كل شيئ على دور برلماناتنا و  على دور الاتحاد البرلماني العربي بوصفه اتحادا برلمانيا إقليميا ، في تنشيط هذا المسلسل.

ولإعمال هذه الفكرة التي اقترحتها أعلاه، فإن عددا من الأطر العامة للنموذج الاسترشادي للقوانين  التي أوصت به لجنة الفريق القانوني المنبثق عن للجنة القانونية للاتحاد، و هي التوصيات الواردة في تقرير أعمال و توصيات الدورة العشرين للجنة التنفيذية للاتحاد المنعقد بالقاهرة بتاريخ 8 سبتمبر 2016،   ينبغي أن تستحضر هذا المعطى .

و على سبيل المثال فإنه يقترح أن يستحضر النموذج الاسترشادي للقوانين المتعلقة بالبيئة كلا من  اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  و الالتزامات الناتجة عن اتفاق باريس بشأن تغير المناخ ، علما أن برلماناتنا، بوصفها أعضاء في الاتحاد البرلماني الدولي مدعوة للانخراط في خطة العمل البرلمانية حول التغيرات المناخية المعنونة : " تكثيف عمل البرلمانات و الاتحاد البرلماني الدولي في المجال المناخي، و التي اعتمدها المجلس المديري للاتحاد البرلماني الدولي خلال دورته 198 المنعقدة بلوساكا بتاريخ 23 مارس 2016 . و يعتبر هذا المقترح مثالا على التكامل المطلوب و الضروري بين أجندة الاتحاد البرلماني الدولي و الاتحاد البرلماني العربي.

و ضمن نفس المنطق المثال فإنه يقترح أن يستحضر النموذج الاسترشادي للقوانين المتعلقة عناصر  الاستراتيجية الأممية المندمجة في مجال مكافحة الإرهاب، و خاصة مرتكزها الرابع المتعلق باحترام و حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب. كما يقترح أن تستحضر  "خطة العمل لمنع التطرف العنيف" التي تعتبر جزءا من استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب و هي الخطة التي قدمها الأمين العام السابق للأمم المتحدة في تقريره إلى الجمعية العامة بتاريخ 24 ديسمبر 2015 .  ذلك أن هذه الخطة تتضمن عناصر توجيهية تمكن من رفع عدد من التحديات الدقيقة في مجال مكافحة الإرهاب و الوقاية منه و القضاء على أسبابه و هي التحديات التي تواجهها بلداننا في صورة و أنماط و أشكال مختلفة. إني أشير هنا بشكل خاص إلى  بعض الخصائص التي بنبغي توفرها في خطط العمل الوطنية لمنع التطرف العنيف و هي تعدد التخصصات، و توطيد الميثاق الاجتماعي ضد التطرف العنيف، و تحيين السياسات التنموية الوطنية على ضوء أهداف التنمية المستدامة.  كما لا يفوتني ن أنشير إلى أن الخطة المذكورة قد أقرت دور البرلمانات في توفير الأساس التشريعي الوطني لخطط العمل الوطنية الرامية إلى منع التطرف العنيف بما يتسق والتزاماتهم الوطنية والدولية، عند الاقتضاء". و في هذا المنحى أشار جلالة الملك محمد السادس في الخطاب  الموجه إلى (قمة القادة حول مكافحة تنظيم "داعش" والتطرف العنيف) في نيويورك، بتاريخ  29 سبتمبر 2015 إلى ضرورة تكامل الأبعاد الأمنية والعسكرية والقضائية مع  الجوانب الاجتماعية والتنموية ، إضافة إلى الأبعاد  التربوية والدينية ضمن  إستراتيجية مندمجة لمكافحة الإرهاب و التطرف و نشر ثقافة التسامح والاعتدال، مع استحضار أهمية الشراكات  والوفاء بالالتزامات  ضمن منطق للمسؤولية الجماعية لا ينبغي أن يكون رهينة حسابات أو مزايدات ضيقة.  و ضمن نفس الإطار  ينبغي التذكير بالدعوة الملكية المعلنة في الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2016 إلى ضرورة وقوف الجميع " مسلمين ومسيحيين ويهودا" في صف واحد من أجل مواجهة كل أشكال التطرف والكراهية والانغلاق.

و لم يعد هناك أي داع منهجي مقبول لربط تشريعات المرأة و الطفل في نموذج استرشادي واحد، و تكفي الإشارة بهذا الخصوص إلى مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، و اتفاقية حقوق الطفل.

و في نفس الإطار، فإنه يقترح أن يستحضر النموذج الاسترشادي للقوانين المتعلقة بالاستثمار و التنمية كلا من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية و حقوق الإنسان من جهة و كذا أهداف التنمية المستدامة من جهة ثانية.  

إن نفس المسعى يمكن تطبيقه بخصوص آفاق إعمال القرار رقم 39/ 23مؤ ، حول الإرهاب، و هو القرار الذي نثمنه جميعا مضمونه و ندعو في نفس الوقت إلى دعم فرص أجرأته و ذلك باستحضار استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة التطرف العنيف التي اشرت غليها في متن هذه الكلمة.   و على سبيل المثال فإن الفقرة (ي) من قرار الاتحاد البرلماني العربي رقم 39/ 23مؤ و التي تدعو إلى "تحريم و تجريم ثقافة الكراهية و خطاب التحريض على العنف"، يمكن أن تجد سبلا عملية لأجرأتها  في حال استحضار  إحدى آخر قرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، و هو القرار رقم 33/21 بشأن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، و الذي تم اعتماده بتاريخ 30 سبتمبر 2016.

فلقد أقر هذا القرار بالدور الهام للتعليم، واحترام التنوع الثقافي، ومنع التمييز ومكافحته، و التشغيل و الإدماج بمعناه الواسع، و كذا وضع استراتيجيات تعليمية ملائمة  في المساعدة على منع الإرهاب والتطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب.

كما أكد نفس القرار على أهمية دور القيادات والمؤسسات الدينية والمجتمعات المحلية و قيادات المجتمع المدني في منع ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب، و كذا على ضرورة "النظر في وضع آليات لإشراك الشباب في جهود تعزيز ثقافة السلام والعدالة والتنمية البشرية، وتعزيز التسامح الإثني والوطني والديني".  و لقد أشار قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 31/30 بشأن آثار الإرهاب على التمتع بجميع حقوق الإنسان، و المعتمد بتاريخ 24 مارس 2016 إلى خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف، و الدعوة إلى تنفيذها بفعالية بهدف المساهمة في إيجاد بيئة أكثر مؤاتاة للتصدي لرسائل الجماعات الراديكالية التي تحاول تبرير العنف بطرق منها الوصم والتمييز الإثني أو الديني.

تلكم أيتها  السيدات و السادة، مثال على السبل العملية لأجرأة قرارات و استراتيجيات الاتحاد البرلماني العربي بالارتكاز على تكامل الأجندات البرلمانية الوطنية و أجندات الاتحاد البرلماني العربي و الاتحاد البرلماني الدولي و المنظومة الاتفاقية الدولية و منتجات منظومة الأمم المتحدة في كل ما يتعلق بالتحديات الجسيمة التي تواجهها البلدان العربية.

و إن نفس  المنهج يمكن أن ينطبق في الأخير على أجرأة رقم 27/ 23 مؤ بشأن تفعيل الدبلوماسية البرلمانية العاملة على تشجيع الحوار بين الدول العربية و الحوارات الداخلية بين مختلف المكونات الداخلية في بعض البلدان العربية التي تعتبر في سياقات انتقالية و في سياقات الخروج من أزمات.

شكرا على انتباهكم.