حضرات السيدات والسادة،
يشرفني أن أشارك في افتتاح أشغال الدورة الخريفية الـ18 للجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون بأوربا، الذي يحظى مجلسنا الموقر بشرف احتضانها، والمخصصة للتداول في آفاق العمل بشأن مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيد المتوسطي وفي طليعتها التعاون المشترك والتشاركي من أجل الأمن واستدامة الاستقرار .
وأود في البداية أن أهنئ جمعيتنا البرلمانية على الجهود التي تبذلها في سبيل تعزيز السلم والأمن ومبادئ الحوار والتفاهم بين الثقافات، بغية حل واحتواء المشاكل القائمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإزالة أسباب التوتر وما ينجم عنه من تهديد للسلم والأمن، وفي سبيل تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتدبير التدفقات الهجروية والطلبات المتزايدة والضاغطة على اللجوء في المنطقة.
نجتمع اليوم في هذه الدورة الخريفية لجمعيتنا البرلمانية، في سياق خاص ومعقد تواجه فيه دول البحر الأبيض المتوسط بضفتيه مجموعة من التحديات المشتركة والمتعلقة بقضايا مكافحة الإرهاب واستكشاف سبل التعاطي مع التطرف العنيف وخطاب الكراهية على ضوء التطور المقلق لظاهرة المقاتلين الأجانب، وكذا تحليل ودراسة مساهماتنا جماعيا في رفع التحدي المطروح على دول ضفتي المتوسط وعلى باقي بقاع المعمور المتعلق أساسا بتراجع النجاعة الاقتصادية والمناعة الاجتماعية وتفاقم آثار التحولات المناخية، مما ينذر بالكثير من الكوارث على كافة الأصعدة.
حضرات السيدات و السادة،
تشكل مكافحة ظاهرة الإرهاب على المستوى الإقليمي أحد أكبر التحديات التي يتوجب علينا تقوية التعاون وتوطيدالتكامل من أجل رفعها ، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الأمني، القضائي و تبادل الخبرة و المعلومات والتجارب والعمل عبر إجابات تشريعية و سياسات عمومية فعالة، على الإدماج الاجتماعي للفئات الهشة الأكثر عرضة للتهميش و لمخاطر الانزلاق نحو التعصب و التطرف الديني، بما فيها سياسات التشغيل و تطوير عرض التعليم و التكوين و سياسات العدالة الاجتماعية بشكل عام وبرامج مكافحة خطاب الكراهية و العنصرية و التطرف، التي تعتبر مداخل أساسية للقضاء على الأسباب البنيوية المغذية للإرهاب.
وإننا كبرلمانيات وبرلمانيين مغاربة لمقتنعون، بالنظر لتجربتنا الوطنية في مكافحة هذه التهديدات، المعتمدة على مقاربة استباقية ، بأن المجهود المتظافر لسياسات إعادة هيكلة الحقل الديني التي يشرف عليها جلالة الملك شخصيا بصفته أميرا للمؤمنين، و تكريس الطابع المركزي لقيم الإسلام السمح، و مساعي الرعاية اللاحقة و المراجعات الإرادية و التدريجية التي قام بها عدد من المحكومين سابقا في قضايا الإرهاب ، إضافة إلى مسلسل مراجعة مناهج التربية الدينية هي كلها مساعي يمكن في حالة قراءتها كجزء من إستراتيجية شمولية أن تعتبر عناصر مقاربة مغربية خاصة في مجال سياسات الوقاية من الإرهاب، مقاربة محصنة بضمانات دستورية و اتفاقية دولية متينة.
وبشكل أكثر شمولية، لا بد من الإشارة هنا على سبيل الاستئناس، إلى الدراسات الإستراتيجية المتشائمة القائلة بأن القضاء على الإرهاب بشكل نهائي وحاسم شيء صعب المنال. ليس لأن الظاهرة عُرفت في مراحل عديدة ومختلفة من التاريخ، بل أساسا لأسباب تتعلق بالسياقات العالمية الحالية نفسها، مما يزيد من مسؤولياتنا في مواجهته.
ونتساءل اليوم إلى أي حد يمكن أن نحقق نتائج دالة في هذه المواجهة الضرورية دون أن نستحضر صعوبة القضاء على تسليح الجماعات الإرهابية المرتبطة بالنزاعات والتناحرات الجيوستراتيجية، ودون أن نستحضر ارتباط الإرهاب الدولي بالعولمة المتوحشة وبوباء الديكتاتورية والأنظمة المتسلطة أو ازدياد المعضلات الاجتماعية أو الكوارث الطبيعية في إفريقيا وآسيا أو قوة الهيمنة الثقافية الغربية واستصغار شأن الثقافات المحلية، أو التوازنات الدولية وتسوية المصالح الحيوية بين الدول أو نظرية الفوضى الخلاقة التي تجعل العديد من الدول تحت رحمة داعميها من الدول الكبرى...
لكن، وكما أن الأمراض مهما تعددت مظاهرها، تتطلب سبل العلاج وتطوير الأبحاث الطبية، فإن مسؤوليتنا تتطلب من الابتكار وتبادل الخبرات الشيء الكثير من أجل العمل على هزم ظاهرة الإرهاب التي تقض مضجع الدول والشعوب اليوم بلا استثناء.
وفي هذا الشأن، وبالإضافة إلى أيماننا بضرورة اليقظة الأمنية المستمرة وتبادل الخبرات في هذا المجال، فإننا مقتنعون بأن تحقيق انتصارات دالة وربما حاسمة على ظاهرة الإرهاب ممكنة شريطة اعتماد اختيارات ممنهجة تتوجه إلى الاسباب العميقة.
إن الأمر هنا يتعلق بمواجهة النزعات الانفصالية في إفريقيا والشرق الأوسط ودول جنوب شرق آسيا ووقف كل مخططات التفتيت في هذه المناطق، ويتعلق كذلك بالتوقف عن إذكاء النزاعات العرقية والأحقاد الطائفية والمذهبية والإثنية، وبإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، والتقليص من الظروف المنتجة للفقر والهشاشة والفوارق الاجتماعية، إضافة إلى المعالجة الرصينة واليقِظة لقضية المقاتلين العائدين وعائلاتهم، ومعالجة القضايا الإنسانية المرتبطة بالجهاديين المعتقلين في السجون. كما يتعلق الأمر، على وجه الخصوص، ببناء وتوطيد دولة القانون والمؤسسات، ونشر ثقافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والعدل والمساواة، كضمانة حقيقية لمنع التطرف.
وفي سياق متصل أود التذكير بمدخلين أساسيين، يبدو لي من الأجدر استحضارهما كجمعية برلمانية، في مجال مكافحة الإرهاب و التعاون الإقليمي المرتبط بمواجهة هذا الخطر الإقليمي و العالمي، و هما في تقديرنا مدخلان لا يمكن التخلي عنهما، بالنظر للقيم التي أنتجتها حضاراتنا المتوسطية المختلفة منذ العصر القديم، والمبنية أساسا على الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان والتسامح والعيش المشترك.
ويتعلق المدخل الأول بالمرتكز الرابع للاستراتيجية الأممية المندمجة في مجال مكافحة الإرهاب، حيث ينص هذا المرتكز على ضرورة احترام و حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب. أما المدخل الثاني فيرتبط بـ "الأمن البشري" كما وضع في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 290-66 بتاريخ 10 سبتمبر 2012 و كذا قرارها رقم 291-64 بتاريخ 16 يوليوز 2010، و كما طورته التقارير المتعددة للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص كإطار مفاهيمي مهيكل، لسياسات مكافحة الإرهاب مرتكزة على حقوق الإنسان. ولا سيما في ظل الطلب المتزايد علينا كمشرعين وكحكومات لسن واعتماد تشريعات مكافحة الإرهاب.
حضرات السيدات و السادة،
اسمحوا لي أن أتقاسم معكم وبعجالة، بعض البديهيات التأطيرية للنقاش حول رهانات البيئة والتنمية الاقتصادية ومكافحة آثار التحولات المناخية في البحر الأبيض المتوسط. خاصة وأنه حسب الفريق الدولي المعني بتغير المناخ، ستعرف منطقتنا المتوسطية ارتفاعا خطيرا في درجة الحرارة مستقبلا حيث سترتفع بمعدلات بين 2،2 و 5،1 درجة بين سنتي 2080 و 2100، كما ستتقلص نسبة هطول الأمطار بحوالي 4% في بعض المناطق و 27% في مناطق أخرى. وهي معطيات تتطلب منا جميعا تحمل مسؤولياتنا أمام الأجيال القادمة، والانتقال الى السرعة القصوى في ابتكار حلول واستراتيجيات لحماية منطقتنا من الانهيار المناخي.
وفي هذا الإطار، أود أن أستثمر لحظة تفكيرنا المشترك كمشرعين في التذكير بالارتباط العضوي بين مكافحة آثار التحولات المناخية والحد منها و أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030 ولاسيما الهدف 7 المتمثل في " ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة" و الهدف 11 المتمثل في " جعْل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة" وكذا الهدف 12 الخاص ب" ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة" و الهدف 13المتعلق ب" اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغيّر المناخ وآثاره" دون إغفال الهدف 14 المتمثل في " حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة". و ينبغي التذكير هنا أيضا بضرورة استحضار المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التي أقرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2011، كإطار لتناول القضايا المتعلقة بالتجارة و الاستثمارات من منظور حقوق الإنسان و التنمية المستدامة، علما أن المدخل التشريعي، يعتبر ذا أثر حاسم في منح هذه المبادئ التوجيهية مدى فعليا في القوانين الوطنية للبلدان الأعضاء في الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون بأوربا.
كما لا تفوتني فرصة تناول هذا الموضوع من أجل التذكير بضرورة الاسترشاد بخطة العمل البرلمانية حول التحولات المناخية التي اعتمدها الاتحاد البرلماني الدولي على هامش مؤتمر الأمم المتحدة حول التحولات المناخية الذي عقد بباريس يومي 5و6 ديسمبر 2015.
واسمحوا لي، في هذا الاطار، أن أستشهد بتشخيص جلالة الملك محمد السادس حفظه الله للوضعية الحالية لكوكبنا، حيث شدد عبر رسالته السامية إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الثامن لوزراء البيئة، التي انطلقت أشغالها يوم الأربعاء 02 أكتوبر 2019 بالرباط، على أنه: "لقد أضحت إشكاليات البيئة والتنمية المستدامة أحد الرهانات الكبرى التي تواجه العالم، بحيث أظهرت العديد من الدراسات والأبحاث الدولية، استنزافا غير مسبوق للثروات الطبيعية، وارتفاعا مهولا في نسبة التلوث، واختلالا عميقا للتوازن البيئي على الصعيد العالمي، مع ما يترتب على هذه الوضعية المقلقة، بل والخطيرة، التي يعيشها كوكبنا اليوم، من آثار سلبية واضحة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا الصحية. وهو ما ينذر بحتمية المخاطر المحدقة بكل بلدان المعمور، خاصة الهشة منها."
وتبعا لذلك، ألح صاحب الجلالة على أن "التصدي للمشاكل البيئية الملحة، والتي لا تقف الحدود السياسية ولا الجغرافية أمام تأثيراتها السلبية، لا يمكن أن يتم إلا في إطار تعاون وطيد بين الدول. فليس بمقدور أي دولة بمفردها، مهما بلغت إمكاناتها، مواجهة هذه المشاكل". – انتهى كلام صاحب الجلالة-
حضرات السيدات والسادة؛
لا يخفى على علمكم وجود العديد من بؤر التوتر والنزاعات والصراعات في منطقتنا، مما يجعلها منبعا وفضاءا للاجئين والمهاجرين. ونحيل هنا إلى تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دقت ناقوس الخطر بخصوص هذا الموضوع، كما تحذر من الوضع الإنساني الكارثي نتيجة الهجرة وتزايد عدد اللاجئين في العديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما هو الحال بالنسبة لسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، بسبب الصراعات المسلحة وانعدام الاستقرار والوضع الأمني الخطير الذي يزيد مشكلة النازحين تعقيدا.
وإلى جانب الاضطهادات والصراعات، لا يجب أن نغفل أيضا الكوارث الطبيعية (في بعض الأحيان نتيجة لتغير المناخ) التي أجبرت وستجبر الناس على الهجرة والنزوح والبحث عن ملجأ لهم في بلدان أخرى في سياق ما بات يعرف دوليا ب"اللجوء المناخيl'asile climatique". وهناك كوارث أخرى من صنع الإنسان مثل الحرمان الاجتماعي والاقتصادي، لذلك فإن الأغلبية من الناس تهرب وستهرب في المستقبل لأنهم لا يملكون خيارات أخرى تشجعهم على البقاء والعيش في بلدانهم بما يحفظ كرامتهم.
لذلك فإن الانكباب على معالجة إشكالية الهجرة واللاجئين لم تعد تتطلب المزيد من التحليلات والتشخيصات ، بل قرارات شجاعة ينبغي ان تكون فيها قيم الضمير الإنساني العالمي المشتركة حاضرة بقوة.
ويمكن أن نشير هنا إلى المبادرة المغربية في مجال تسوية الوضعية القانونية لعدد من المهاجرين الذين يقيمون بالمملكة، حيث انتهجت بلادنا، بتعليمات ملكية سامية، سياسة استثنائية في ميدان الهجرة منذ 2014، بفتحها الباب لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين فوق ترابها.
حضرات السيدات والسادة؛
تواجه دول منطقة البحر الأبيض المتوسط مجموعة من التحديات الاقتصادية، المرتبطة أساسا بتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية أو بتبعات التحولات السياسية التي عرفتها بعض دول المنطقة بعد سنة 2011. كما أن هناك تفاوتات صارخة بين الضفتين الشمالية والجنوبية تصل لحوالي ربع قرن فيما يتعلق بالتنمية بصفة عامة، والرهان الأبرز هو العمل الجماعي من أجل التفكير في سبل تقليص الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين ضفتي الفضاء المتوسطي وفق منهجية أساسها التعاون والتضامن والشراكة رابح-رابح (win-win).
ومن شأن هذا التوجه، المساهمة في حل جزء كبير من المشاكل التي تعاني منها المنطقة. كما يجب الاستثمار في الشباب الذي يشكل الخزان الأهم لخلق الثروة بمنطقتنا وتحرير الطاقات التنموية لدولنا، خاصة وأن الشباب أقل من تلاثين سنة يشكلون 60% من ساكنة منطقة البحر الأبيض المتوسط. وهذا المعطى، يدعونا جميعا للاستفادة من العائد الديمغرافي التي تملكه المنطقة من خلال ابتكار جيل جديد من السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للشباب. كما ندعو لاعتماد منهجية خاصة مع الفئة العمرية بين 15 و24 سنة بالنظر لأهمية إنجاح التحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب وضمان استفادة الشاب من الرعاية والتكوين والتدريب المناسبين من أجل إدماج ناجع لهم في المجتمع والمستقبل.
إن أفضل مدخل لتحقيق السلم والأمن هو تعزيز الرفاه الاقتصادي للشعوب، وفق منهجية مستدامة وناجعة. وهذا لن يتحقق إلا بتظافر جهود كل المتدخلين وعلى رأسهم المؤسسات البرلمانية، وذلك من خلال أدوارها الدستورية الأصيلة، ومساهمة البرلمانيين كقوة اقتراحية فاعلة وذات مصداقية.
كما نوصي بالتفكير في احداث "آلية برلمانية متوسطية للتعاون من أجل الرفاه الاقتصادي"، كفضاء للنقاش وإنتاج الأفكار الداعمة للتعاون بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي لشعوب المنطقة.
كما نذكركم، بالتحول العميق الذي يعرفه العالم مع "الثورة الصناعية الرابعة" التي ستجعل من الرقمنة والذكاء الاصطناعي رافعات أساسية لخلق الثروة والتموقع الايجابي في المستقبل، لذلك فنحن مدعوون لاتخاذ التدابير اللازمة لتمكين كل دول المنطقة من الامكانيات اللازمة لولوج ناجح للمستقبل عبر تعاون وثيق يهم التمويل وتبادل الخبرات والتجارب ونقل المعرفة.
وفي نفس السياق، من الواجب العمل على تعزيز الأمن السبراني وآليات الحماية من أجل مكافحة الإرهاب الإلكتروني المتنامي من جهة، وحماية الأطفال والشباب من خطاب الكراهية والتطرف المنتشر في وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية من جهة أخرى.
حضرات السيدات والسادة
لقد سعى المجتمع الدولي، على مدى العقدين الماضيين، إلى التصدي للتطرف العنيف أساسا ضمن سياق تدابير مكافحة الإرهاب ذات الطابع الأمني التي اعتُمدت للتصدي للتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة والجماعات المنتسبة إليه. غير أنه مع ظهور جيل جديد من الجماعات، هناك توافق دولي متزايد على أن تدابير مكافحة الإرهاب تلك لم تكن كافية للحيلولة دون انتشار التطرف العنيف.
وقد سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أن أرسى رؤية وفلسفة المملكة المغربية بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف ومسؤولية المنتظم الدولي حيث أكد جلالته في الخطاب السامي الذي وجهه للدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 شتنبر 2016، على " أن العالم اليوم في مفترق الطرق. فإما أن يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية، لتحقيق تقدمها، وضمان الأمن والاستقرار، بمناطقها، وإما أننا سنتحمل جميعا، عواقب تزايد نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، التي يغذيها الشعور بالظلم والإقصاء، والتي لن يسلم منها أي مكان في العالم، وإني لواثق بأن تنامي الوعي من طرف المجتمع الدولي بالتهديدات العابرة للحدود، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة إلى الإيمان بالمصير المشترك للشعوب سيكون له تأثير كبير في إيقاظ الضمير العالمي من أجل عالم أكثر أمنا وإنصافا وإنسانية". انتهى كلام صاحب الجلالة.
وتأسيسا على ذلك فإننا نزداد اقتناعا ووعيا بأن مواجهة عواقب تزايد نزوعات التطرف والتعصب والكراهية والعنف والإرهاب، نستوجب منا ، أكثر من أي وقت مضى، تنسيق المجهودات البرلمانية على صعيد المنطقة ،وهنا أود التشديد على ثلاثة أمور أساسية:
1/ أن نجاح أي خطة وطنية لمكافحة التطرف العنيف لن يستقيم إلا بإدماج المستويات الأمنية والروحية والتربوية والاجتماعية في مواجهة ظاهرة التطرف العنيف والتعصب ؛
2/ الحاجة الملحة لرصد وتتبع أنماط التجديد والتكييف والتغيرات التي تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية باستمرار بما في ذلك الإرهاب الإلكتروني، وما يستلزمه من تحيين وتجديد في استراتيجيات وسياسات مكافحتها على كافة الجبهات؛
3/ استعجالية الانكباب على إعداد ميثاق برلماني حول دور ومسؤوليات البرلمانات في مكافحة التطرف العنيف، كوثيقة مرجعية مؤطرة لعملنا كبرلمانات وطنية بالمنطقة، ولاسيما في سياق تقوية دور التشريع و المراقبة و تقييم السياسات العمومية في المجالات التالية: مكافحة كل أشكال التمييز والعدالة الاجتماعية والسياسات الهادفة إلى مكافحة الفقر وضمان إدماج الفئات الأكثر هشاشة وتعزيز التشريعات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، والوقاية من النزوعات الراديكالية في المؤسسات السجنية، ومكافحة خطاب الكراهية وحماية التنوع الثقافي. وضمان استفادة شعوب المنطقة من جيل جديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
حضرات السيدات والسادة
في ختام هذه الكلمة، اسمحوا لي أن أُفصح عن أملي في أن تفضي أشغالنا إلى وعي وإدراك أن ما وراء التهديدات والتحديات ذات الطابع الأمني وذات الطابع الجيوسياسي، سواء ما يرتبط منها بالإرهاب أو باتساع مساحات الكراهية وثقافة التطرف والتعصب، يوجد تحدي أكثر خطورة، ويتمثل في سيادة وهيمنة حالة من اللايقين، التي أصبحت تُخَيِّم بشكل مخيف على جزء هام من منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأعتقد أن مسؤولياتنا المشتركة، كممثلين لشعوبنا، هي الحرص في سياق مكافحة الإرهاب وإنضاج الشروط التي تُمكن الشعوب من أن تحصل على حقها المشروع في الاستقرار، وفي السلم، والتنمية، والديمقراطية، والكرامة،أن نضع في مقدمة أولوياتنا، بلورة سياسات من شأنها أن تخفف على الأقل من حالة اللايقين التي أصبحت تخيم على منطقتنا.
وشكرا على حسن إصغائكم