حضرات السيدات والسادة
يطيب لي الترحيب بكم جميعا وشكركم على حضور أشغال هذا اليوم الدراسي حول السياسة المغربية في ميدان الهجرة واللجوء: فرص وتحديات، الذي ينظمه مجلس المستشارين بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور ومؤسسة ويستمنستر للديمقراطية.
لقد أكد تقرير الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالهجرة، الصادر بتاريخ 3 فبراير 2017، على أن " من مصلحة الجميع أن تتمَّ الهجرة بصورة آمنة وقانونية، وبطريقة منظمة وليست سرية. فالطريقة الأخيرة لا تعرِّض العمال الآخرين إلى منافسة غير عادلة فحسب، مما يؤدي إلى إثارة مشاعر الاستياء وخفض مستويات الرفاه والسلامة والصحة العامة إجمالا، بل تضع المهاجرين أيضا تحت رحمة أرباب العمل عديمي الضمير والمتّجرين، الذين قد يعرّضونهم لأسوأ أنواع الانتهاكات، التي توصَف أحيانا بوصف "الرق المعاصر"، وهو ما تبغضه البشرية جمعاء". وتوقف في ذات التقرير على خمس أولويات في مجال السياسات ترتبط ب:
(أ) إدارة حركات النزوح المتصلة بالأزمات وحماية المهاجرين الذين يعانون أوضاعا هشة؛
(ب) تهيئة الفرص لتنقُّل اليد العاملة والمهارات؛
(ج) كفالة الهجرة المنظمة، بما في ذلك العودة؛
(د) تعزيز إدماج المهاجرين والنهوض بأوضاعهم؛
(هـ) تعزيز القدرات في مجال إدارة الهجرة.
وفي قرار اتخذته الجمعية العامة في 6 أبريل 2017 بخصوص طرائق المفاوضات الحكومية الدولية بشأن الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، والذي أكدت فيه على أهمية المشاركة الفعالة من جانب جميع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك المجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبرلمانات وجاليات المغتربين ومنظمات المهاجرين، في المؤتمر الحكومي الدولي وعمليته التحضيرية.
وتؤكد أيضا على أن أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك المجتمع المدني والمؤسسات العلمية والمعرفية والبرلمانات والسلطات المحلية والقطاع الخاص والمهاجرون أنفسهم، سيتمكنون من الإسهام بآرائهم، ولاسيما عن طريق جلسات الحوار غير الرسمية التي سيدعوهم إليها الميسِّران، وذلك في إطار الاحترام التام للطابع الحكومي الدولي للمفاوضات.كما دعت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الممتثلة لمبادئ باريس إلى التسجيل لدى الأمانة العامة من أجل المشاركة في المؤتمر الحكومي الدولي وعمليته التحضيرية، بما في ذلك جلسات الاستماع غير الرسمية لتبادل الآراء بين أصحاب المصلحة، وتدعو هذه المؤسسات، وكذلك التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والشبكات الإقليمية لمؤسسات حقوق الإنسان، إلى تنظيم مشاورات عالمية وإقليمية والإسهام بآرائها في العملية التحضيرية.
حضرات السيدات والسادة
تشكل إشكالية الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين، قضية مركزية في سياسات الهجرة بل ونعتبر أن المدخل الأول لمحاربة التطرف هو تشجيع المهاجرين على الاندماج في دول الاستقبال والتعامل معهم كمساهمين في النمو الاقتصادي للدول التي تحتضنهم وكذا لدولهم الأصلية، وبالتالي فهذا الاجتماع مناسبة لتدارس الميكانيزمات والمشاكل المرتبطة بالإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين والمهاجرات، وكذا تعميق التفكير حول الممارسات الجيدة المشجعة للإدماج المهني للمهاجرين والمهاجرات من أجل الاستجابة لحاجياتهم وحاجياتهن الملحة في هذا الباب.
ولكي أكون موجزا في كلمتي، لست محتاجا للتفصيل في السياسة والإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي انتهجها المغرب، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بصفته رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة والمبنية على القيم الكونية لحقوق الإنسان، من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين واللاجئين لتمكينهم من الولوج إلى الحقوق الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والسكن والشغل والمواكبة الاجتماعية والقانونية، والمرافق الترفيهية والرياضية، اسمحوا لي أن أقتسم معكم قناعتي بخصوص هذا الموضوع والمبنية على أن أي تعامل وتدبير لقضايا وإشكالات الهجرة والمهاجرين يجب أن ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان، وضرورة إعطاء الأولوية، في جميع الظروف، لحماية المهاجرين واللاجئين، ووضعها فوق كل الاعتبارات الأخرى.
وبالموازاة مع ذلك يجب تبني سياسة حماية نشطة لتحسين دمج المهاجرين واللاجئين والاعتراف بمساهماتهم الايجابية، ودعم الجهود التي تبذلها بعض دول جنوب البحر الأبيض المتوسط من أجل معاملة المهاجرين واللاجئين وفقا لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ودعم الدول التي قررت ذلك من خلال تقديم الدعم لعملية تنظيم الأوضاع والدمج. إضافة إلى توفير الوسائل للبرلمانات الوطنية لممارسة رقابة ديمقراطية على سياسات الهجرة.
كما أدعو بالمناسبة إلى اعتمــاد مقاربــة منهجيــة كفيلــة بتسـخير مكاسـب الهجـرة في التنميـة بمفهومها الشمولي من خلال الأخذ بعين الاعتبار مختلف قضايا وإشكالات الهجـرة فـي السياسات العمومية المتقاطعة علـى المسـتوى الوطني، مثـل برامج محاربة الفقـر والعدالة الاجتماعية، وتسـتلزم هـذه العمليـة تقييـم آثـار الهجـرة علـى جميـع التدابيـر والإجراءات المعتمـدة فـي برامج التنميـة وفـي برامج وسياسات تقليـص أو الحد من الفقـر مثلا. وبناء عليه يكون من الأساسي مراعـاة الإشكالات ذات الصلـة بالهجـرة فـي جميـع مراحـل تبني السياسات العمومية بمـا فـي ذلك الصياغة، والتنفيذ، والتتبع، والتقييم.
وتبعا لذلك، يتعيـن علينا الانكباب على تحديد مكامن النقص في النصوص التشـريعية والاختيارات السياسـية القائمـة وتيسـير إدراج الصكـوك والمعاهـدات الدولية في التشريع الوطني، والأخذ بعين الاعتبار قضايا الهجـرة وآثارهـا فــي السياســات والبرامــج علــى جميــع الأصعــدة محلــيا، وجهــويا ووطنــيا.
كما وجب التشديد على أهمية تبني مقاربة استباقية مندمجة، وتشجيع التعـاون والحـوار الإيجابي والبناء بين بلـدان المصـدر والعبـور والوجهة، والأخذ بعين الاعتبار الآثــار الإيجابيــة للهجــرة، وفي المقابل يجب الاهتمام والتركيز على الجهود الرامية إلى تقليص الآثار السلبية المحتملة للهجرة.
تلكم السيدات والسادة بعض الأفكار التي وددت تقاسمها معكم. وشكرا على حسن الإصغاء.