السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المحترم؛
السيدات والسادة المستشارين المحترمين؛
حضرات السيدات والسادة المحترمين.
اسمحوا لي، باسم مكتب مجلس المستشارين، بعد الترحيب بكم وشكركم على المشاركة، أن أنوه بهذه المبادرة التي نسعى من خلالها إلى تمكين السيدات والسادة المستشارين المحترمين من الإطلاع على وثيقة برنامجية يمكن الاسترشاد بها لتنوير عملنا البرلماني – وستعرف لا محالة طريقها إلى بدأ التنفيذ والأجرة، بعد نشرها في الجريدة الرسمية-، بفضل المجهود المحمود الذي بدلته وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان وشركائها، ويتعلق الأمر بخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد أدت التطورات الواقعية والدينامية المعيارية التي شهدتها منظومة الأمم المتحدة منذ التئام المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا سنة 1993 إلى اليوم، إلى انبثاق رأي عام عالمي حقوقي جديد يسعى إلى اعتبار حقوق الإنسان جوهرا لعمليات متواترة ومتصلة للبناء الديمقراطي الشامل والمتكامل والمندمج من جهة، وكذا مركزية اللجوء إليها -أي حقوق الإنسان- كمؤشر على فعالية ونجاعة السياسات والبرامج الوطنية ودورها التحفيزي لكل المساعي ذات الصلة على المستويات الإقليمية والجهوية ولما الترابية لإشاعة ثقافة المواطنة وإعمال المبادئ الديمقراطية.
وكما لا يخفى عليكم فإن توطيد الديمقراطية، كما يتم التنظير لها دوليا، عملية معقدة بقدر تعقد الوضعيات الاجتماعية وتموقعات المتدخلين والترسبات الموروثة عن أنساق سياسية ونظام حكامة ماضيين، ومن تم فإن مرافقة التوطيد عبر حقوق الإنسان، من خلال سن سياسة حقيقية لحقوق الإنسان ببلادنا، من شأنه الرفع من وثيرة الإصلاحات والأوراش المفتوحة واستكمالها، وكذلك الشأن بالنسبة لمباشرة ملفات وقضايا جديدة والتأهيل الشامل لمختلف المجالات والفاعلين المعنيين بالحركة الإصلاحية ببلادنا.
حضرات السيدات والسادة،
نظرا للمكانة الرئيسية لحقوق الإنسان من الناحية المعيارية والمسطرية في عمليات التوطيد هذه، فإن طبيعة المرحلة، فضلا عن جعل حقوق الإنسان مرجعية متفقا عليها في صيرورات التوطيد تلكم، تتطلب استبطان ثقافة التغيير وامتلاك رؤية محددة لحقوق الإنسان تشمل كافة المجالات، بما في ذلك اعتمادها كآلية لتدبير أفضل للشأن العام. غير أن ذلك يستلزم منا التعامل مع حقوق الإنسان انطلاقا من تصور شمولي، لا يميز بين أجيالها، ويجعل من الديمقراطية والحكامة الجيدة والعدالة الاجتماعية والقانون الدولي الإنساني، تكريسا طبيعيا لها.
ولكون الانفتاح السياسي يستوجب تدبيرا منصفا وعادلا لثقل ومخلفات الماضي، والتطلع إلى مستقبل يسمح بالتعايش السليم بين ممارسة الحريات دونما إعاقة استمرارية المؤسسات، فإن العمل على تغيير الرؤى بات أمرا لا مفر منه، ويستلزم في آخر المطاف التعامل مع تنامي الحركات الشعبية بما يفتح مساحات أوسع للتعبير عن المطالب الاجتماعية الملحة، على أساس أنها تعبير طبيعي عن الحرية والمواطنة، وافتراض تعزيزها وتوسيع دائرة ممارستها، عن طريق إحداث دينامية جديدة، تمر عبر تدعيم أطر الوساطة الاجتماعية والمؤسساتية وتفعيل حكم القاعدة القانونية وتقوية حمايتها من طرف العدالة.
وتأسيسا على ذلك، فإن الوعي بثقافة حقوق الإنسان وتعزيزها وإدراك معانيها، يعد من المحاور الرئيسية للتنمية الديمقراطية بحكم مساهمتها في ترسيخ حكم القانون وآليات المحاسبة والعدالة الاجتماعية بالنظر إلى الترابط القائم بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة ومصالحهما المشتركة، ناهيكم عن نشر ثقافة حقوق الإنسان وخلق البيئة التي تجعل هذه الثقافة سائدة في أوساط العموم، واعتبار متطلبات المواطنة التي يشعر الجميع بموجبها بالمسؤولية المشتركة تجاه الدولة والمجتمع.
حضرات السيدات والسادة،
إذا كان إعداد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، يستجيب لالتزام الدول والحكومات، بإعمال مقتضيات ومعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان ومتطلبات ترشيد وتحسين ممارستها الاتفاقية وخلاصات وإعلانات وبرامج منظومة الأمم المتحدة التصريحية المنبثقة عن مؤتمرات وقمم حقوق الإنسان، فإنه يعبر أيضا عن انخراط بلادنا في المجهود الأممي ذي الصلة بالتخطيط الاستراتيجي المتجه نحو سن سياسات حقوقية عمومية ورسمية من شأنها تأمين وترسيخ أسس وسبل بناء دولة الحق الديمقراطية؛ مع مراعاة الرهانات الجديدة على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي التي تواجه الإعمال الفعلي للقيم والممارسات الديمقراطية والمعايير الحقوقية.
واليوم، وبعد تمكين بلادنا، بفضل مجهود جماعي وتشاركي ساهمت فيه معظم مكونات المجتمع المغربي، من خطة عمل وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفضلا عن تطلعنا إلى اعتبار هذه الخطة عابرة للحكومات، وجبت الإشارة إلى ملحاحية رفع تحدي مركزي مسجل في أجندة الفاعلين الاجتماعيين والحقوقيين وانتظارات المواطنات والمواطنين والمتمثل أساسا، في الرفع من إيقاع وسرعة الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والتشريعية المترتبة عن الوعد الدستوري الذي ارتقى بحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية إلى مرتبة الخيارات المؤسسة والموجهة لسياسة بلادنا وفلسفتها الإصلاحية.
وبحكم أن قناعتنا الراسخة لبدل الجهد والتفكير الجماعي والعمل الصادق –أقول العمل الصادق دون حسابات ضيقة- لا تتطلب فقط استكمال تفعيل مقتضيات الوثيقة الدستورية والتنزيل الأمثل للإجراءات والتدابير المنصوص عليها في خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان واستحضار أهمية تكامليتها مع مقتضيات الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان؛ بل الأمر يتعلق أيضا، بالعمل على الاستجابة الآنية لرفع رهان تكاثف وتعاضد مجهودات التنسيق والانسجام بين مختلف المتدخلين المعنيين بسياسة حقوق الإنسان وترشيد الحكامة وأسسها بغرض الرقي وتعزيز مسعى التوطيد الديمقراطي الجاري ببلادنا.
تبعا لذلك، ووفقا للمهام والصلاحيات المخولة لمؤسستنا التشريعية، سنعمل على مواكبة ومرافقة الدينامية التي ستترتب عن مباشرة تنفيذ وتفعيل هذه الخطة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ونتطلع إلى أن يتم اعتبار نفس الروح والمقاربة التي تميزت بها مرحلة الإعداد بما لا يتعارض مع مسؤوليات واختصاصات الحكومة في التفعيل والتنفيذ وأدوار المنظمات غير الحكومية في مسار مراقبة وتتبع الإعمال والتحيين وفق سير تقدم الإنجاز، وكذا المساهمة، عند الاقتضاء، في البرمجة العملياتية والأجندات التنفيذية للخطة.
وأود في ختام هذه الكلمة المقتضبة التنويه باعتماد هذه الخطة، كإطار برنامجي مندمج بالغ الأهمية وأن أجدد شكري لكل من ساهم في مراحلها الإعدادية أو في عمليات تحيينها اللاحقة وسنحرص من موقعنا على التعريف بها كمنتوج وكمسار وتقديمها كممارسة فضلى في مجال التخطيط الاستراتيجي وفق المقاربة الحقوقية على الصعيدين الوطني والدولي.
وشكرا على حسن الإصغاء.