ـ الرباط، 20 شتنبر 2017 ـ
السيد سعد الدين العثماني المحترم، رئيس حكومة المملكة المغربية؛
السيد الحبيب المالكي المحترم، رئيس مجلس النواب بالمملكة المغربية؛
الدكتور عمر سليمان أدم ونيس المحترم، رئيس الرابطة، ورئيس مجلس الولايات في جمهورية السودان؛
الدكتورعبد الله بن محمد آل الشيخ المحترم، رئيس مجلس الشورى السعودي؛
السيدة Edna Madzongwe المحترمة، رئيسة مجلس الشيوخ الزيمبابوي؛
السيدة Margaret Mensah Williams المحترمة، رئيسة مجلس الشيوخ الناميبي؛
السيد NiatNjifenji Marcel المحترم، رئيس مجلس الشيوخ الكامروني؛
السيد Révérien NDIKURIYO المحترم، رئيس مجلس الشيوخ البوروندي؛
السيد HONORE RAKOTOMANNA المحترم، رئيس مجلس الشيوخ الملغاشي؛
السيدات والسادة رئيسات ورؤساء الوفود البرلمانية الإفريقية والعربية الصديقة والشقيقة؛
السيد عبد الواسع يوسف علي المحترم، أمين عام الرابطة؛
زميلاتي وزملائي عضوات وأعضاء مجلس المستشارين بالمملكة المغربية؛
حضرات السيدات والسادة،
يشرفني، بعد الترحيب بكم جميعا ضيوفا أعزاء في بلدكم الثاني-المغرب، أن أعبر لكم عن سعادة مجلسنا باستضافة أشغال هذا الاجتماع الهام والتنويه بالمواضيع المختارة للتداول والنقاش ضمن فعالياته.
تجتاز إفريقيا والعالم العربي تحولات عميقة ومتسارعة وتحديات متنامية إن على المستويات السياسية والأمنية أو في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فكما لا يخفى عليكم، يظل الوضع السياسي المضطرب، الهش والمتغير، عدونا الرئيس. ويمكن تلخيص مظاهر هذا الوضع السياسي في عودة شبح الحروب الأهلية وانتشار التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تنامي النزاعات العرقية والدينية وتمزق العديد من أجزاء خريطة عالمنا العربي واتساع رقعة الشبكات الإجرامية المتخصصة في تجارة الأسلحة والمخدرات وتهريب السلع والاتجار في البشر وتنامي تدفقات الهجرة واللجوء . وإن أبلغ تشخيص لوضع عالمنا العربي، يمكن تلخيصه في ما جاء في الخطاب الملكي السامي أمام القمة المغربية الخليجية يوم 20 أبريل 2016 بالرياض والذي أكد فيه جلالته على أن "المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي... و إننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي. فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية" (انتهى كلام صاحب الجلالة).
وبنفس الدرجة من الوضوح شدد صاحب الجلالة حفظه الله في خطابه السامي إلى قمة قادة دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، يوم 03 يوليوز 2017 بأديس أبابا، على أن " إفريقيا اليوم توجد في مفترق الطرق، ويجب علينا أن نختار أنجع السبل الكفيلة بالدفع بها إلى الأمام. ففي هذه الآونة، تتزايد الرهانات التي تواجهها قارتنا، كتعدد الفاعلين غير الحكوميين، مما يتسبب في خلق عدم وضوح الرؤية، وتهديدات الإرهاب العابر للحدود، والتطرف العنيف، إضافة إلى الآثار الناجمة عن الاحتباس الحراري. فأمام هذه التهديدات الجديدة المحدقة بقارتنا، لا بد للاتحاد الإفريقي من مباشرة تطوره، حتى يتمكن من إيجاد أجوبة مناسبة ومجدية". (انتهى كلام صاحب الجلالة).
إن السياقات والمتغيرات الجيو-سياسية على الصعيد العالمي وبحكم ما ترتب عن العولمة الجارفة من استهداف لاقتصاديات دول الجنوب واستقلالية قراراتها والتشكيك في القدرة على بناء مجتمع عالمي قوامه العيش المشترك، تستدعي منا، على مستوى المنطقة، أن نستنهض هممنا لمعالجة الأوضاع القائمة ومستلزمات تأمين أجيالنا القادمة من المخاطر المحدقة بها، وبلورة شراكة إستراتيجية عربية - إفريقية شاملة ومندمجة على قاعدة تعاون جنوب-جنوب قوامها النفع المشترك والمضي قدما في إطلاق ديناميات مشاريع تكاملية لضمان الرفاه الاجتماعي وبناء مستقبل يسوده السلم والأمن والحرية وسيادة القانون واحترام الوحدة الوطنية للدول والتضامن بين الشعوب.
وتكمن إحدى مؤشرات تحقق ذلك، من وجهة نظرنا، في تعزيز بلداننا لقدراتها الوطنية وتقوية التنسيق والتعاون والتضامن بينها على المستويات الثنائية وتقوية الاندماج الإقليمي والتعاون البيني خصوصا في مجالات التعليم ومجتمع المعرفة والأمن الغذائي والتبادل الاقتصادي والتنمية المستدامة والتنسيق الأمني والتشاور المستمر عبر آليات مؤسساتية دائمة.
ومن المؤكد أيضا، أن بلداننا، أصبحت، أكثر من أي وقت مضى، مدعوة إلى الاستثمار في بناء الثقة في النفس وفي القدرة الجماعية على صياغة المستقبل الذي يليق بشعوبنا. إننا، في إفريقيا والعالم العربي على حد سواء، في أمس الحاجة إلى بناء الشراكات المدرة للنفع المتبادل وإلى إطلاق ديناميات مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية، وذلك في تساوق مع تعزيز حقوق الإنسان وتوطيد مسارات دمقرطة نظمنا السياسية وتعزيز ديناميات مشاركة المواطنات والمواطنين في صناعة القرارات المرتبطة بحاضر ومستقبل بلدانها.
حضرات السيدات والسادة،
تبعا للموضوعات والخطوط العريضة محط التداول خلال اجتماعنا هذا، اسمحوا لي أن أتقاسم معكم منظورنا المتواضع بشأنها.
فارتباطا بموضوع التنمية المستدامة، وجب التأكيد على أن الانخراط الفعلي للبرلمانات في تنفيذ خطة التنمية المستدامة يتأتى، لا محالة، من خلال العمل على تأمين آليات التحمل الأفقي لأدوار التشريع والرقابة، والإشراف على تعبئة الموارد وتخصيصها من خلال الميزانيات الوطنية، بالإضافة إلى مهام التمثيل عبر السهر على إشراك مختلف شرائح المجتمع في عملية صنع القرار.
إضافة إلى هذا التذكير، أود الإشارة إلى الموقع الخاص للغرف الثانية بتعدد مكوناتها وكفاءاتها، وهو الموقع الذي يمكنها من تحمل خاص، في حدود أدوارها الدستورية، لقضايا أساسية لمسار أجرأة خطة التنمية المستدامة على المستويات الوطنية كالتقائية السياسات الاجتماعية الموجهة للفئات الهشة أو ضمان الطابع الأفقي لقضايا النوع والمساواة سواء على مستوى السياسات العمومية الوطنية أو على مستوى السياسات العمومية الترابية، وكذا الاستخدام المتكامل لآليات الدعم العمومي المبنية على الاستهداف الاجتماعي والترابي للأسر، ولآليات جبائية ملائمة لتصحيح اختلالات تتعلق بصعوبات هيكلية للولوج إلى بعض الحقوق الاجتماعية أو من أجل الحد من العوامل البنيوية المؤدية إلى التفاوتات الاجتماعية.
حضرات السيدات والسادة،
إن رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي معنية بشكل خاص بتقوية روابط التعاون بين بلدان المنطقة، وبأداء دور أكثر فاعلية وتأثير في مضمار الجهود الدولية الرامية إلى القضاء على أسباب التوتر والعنف، والإسهام في استتباب الأمن والسلام.
ذلك أن موقع الغرف البرلمانية الثانية من صناعة القرار التشريعي، وبالنظر إلى علاقاتها مع السلطة التنفيذية وباقي المؤسسات وهيئات الحكامة، واعتبارا لانفتاحها على منظمات المجتمع المدني، كل ذلك يلقي على عاتقها مسؤولية تاريخية في رعاية المجهود الجماعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والارتقاء بالممارسة الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
وليس من المبالغة القول، أن لرابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي، دورا رياديا في هذا الاتجاه، فأهلية الغرفة البرلمانية الثانية لأداء هذا الدور نابعة من كون اتسام عضويتها في مختلف بلدان الرابطة، بقدر وافر من الخبرة والتجربة والدراية والممارسات الرقابية والتشريعية المتصلة بانتظارات الشعوب، والمستوعبة لمجريات الأحداث ومطالب التغيير.
وفي علاقة بقضية العدالة الاجتماعية، تجدر الإشارة، ولو بشكل خاطف وسريع، إلى أن الرسائل السنوية التي يوجهها الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية بتاريخ 20 فبراير من كل سنة، غالبا ما تتضمن، ليس فقط تفسيرا للمنظور الأممي للعدالة الاجتماعية وإطارها المفاهيمي، وإنما أيضا ترافعا حول أولويات دولية للعدالة الاجتماعية، تتقاطع إلى حد كبير مع أولويات بلداننا. من ذلك مثلا، الربط بين الاستقرار الوطني والعالمي وتكافؤ الفرص والإدماج الاجتماعي والتقليل من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية، فضلا عن عدم كفاية النمو الاقتصادي وتناقص أجور النساء والشباب، وقلة فرص الحصول على التعليم والخدمات الصحية والعمل اللائق،ناهيكم عن الربط بين العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
وأود التذكير، في نفس المنحى، بأن الأهداف السبعة عشر المحددة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، المعنونة "تحويل عالمنا"، والمعتمدة بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1.70 بتاريخ 25 سبتمبر 2015، ترتبط جميعها بمفهوم العدالة الاجتماعية، علما أن الخطة المذكورة أعلن عن انطلاق العمل بها في فاتح يناير من سنة 2016.
وغير خاف عليكم أن تحقيق برامج التنمية والتقدم مرتبط بدور آخر لدول إفريقيا والعالم العربي، ألا وهو العمل على تسوية النزاعات بمستوياتها الداخلية والبينية والدولية، حيث يبدو لنا من الأهمية بمكان أن تتصدر عملية تسوية النزاعات قائمة أولوياتنا، لأنه في ظل استمرار الحروب والاقتتال، فلن تتحقق التنمية ولا التقدم، فتكلفة الحروب عالية جداً، وخسائرها تشمل كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ، وتسهل على الطامعين تنفيذ استراتيجياتهم الرامية إلى تفكيك الوحدات السياسية الوطنية والإقليمية.
حضرات السيدات والسادة،
يشكل التهميش في ظل عولمة الاقتصاد التحدي الأكبر الذي يواجه القارة الإفريقية. وبالرغم من أن اقتصاد أفريقيا قد حقق تقدماً خلال السنوات الماضية، غير أنه وبفعل التقدم السريع للعولمة الاقتصادية، فإن الفجوة بين أفريقيا والدول المتقدمة، وحتى مع بعض البلدان النامية، مازالت في ازدياد، كما أن عدد السكان الذين يرزحون تحت عتبة الفقر المدقع ويحصلون على أقل من دولار أمريكي في اليوم ، يمثل نصف سكان أفريقيا تقريباً. ومن بين ثمان وأربعين دولة من أفقر دول العالم ثلاثة وثلاثين من القارة الافريقية، وتأتى عشر دول أفريقية في مؤخرة الترتيب.
وفضلا عن ما سلفت الإشارة إليه من قضايا ذات راهنية، اسمحوا لي أن ألفت الانتباه، إلى معضلة أخرى تنضاف إلى ما سبق ذكره، وتشكل تحديا مشتركا لإفريقيا والعالم العربي على حد سواء، ويستوجب التعامل معها الكثير من الحزم والعزم المشتركين. ويتعلق الأمر بوضع الأمن الغذائي بإفريقيا والعالم العربي، الذي يعتبر التعامل معه من منظورنا مدخلا استراتيجيا أساسيا لتعاون واعد على مستوى المنطقة، في ارتباط وثيق بأهداف التنمية المستدامة ومكافحة التغيرات المناخية.
ذلك أن تحدي القضاء على الجوع يبقى مستمرا، حيث لا يزال أكثر من شخص واحد من أصل تسعة أشخاص في العالم يعاني من الجوع في الفترة 2014-2016 مما جعل من "القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة" الهدف 2 من خطة عام 2030 بشأن أهداف التنمية المستدامة.
ومما يثير القلق أن تقرير الأمم المتحدة حول "حالة الأمن الغذائي والتغذية 2017 "الذي نشرته يوم 15 شتنبر الجاري، قد وقف على أن معدل الجوع في العالم بدأ في الارتفاع مجدداً ليؤثر على 815 مليون شخصًا في العام 2016. ويبلغ عدد من يعيشون في مناطق النزاع: 489 مليون شخصا من بينهم، كما أن نسبة انتشار الجوع في الدول المتأثرة بالنزاعات ترتفع عن نسبة انتشاره في الدول الأخرى بنسبة تتراوح ما بين 1.4 و4.4 في المائة وتزيد نسبة انتشار الجوع في الدول التي تعاني من هشاشة مؤسساتية أو بيئية بنسبة تتراوح ما بين 11 و18 في المائة، أما الأشخاص الذين يعيشون في دول تعاني من أزمات طويلة فهم أكثر عرضة للإصابة بنقص التغذية بمرتين ونصف مقارنة مع الأشخاص الذين يعيشون في دول أخرى.
وجدير بالذكر، أيضا، أن تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يقدر ازدياد عدد المحتاجين لمساعدات إنسانية عاجلة في القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى إلى نحو 21.4 مليون شخص مع نهاية العام الجاري 2017. وأوضح هذا التقرير الصادر، يوم الجمعة 23 فبراير 2017، بعنوان "توقعات إقليمية عن القرن الأفريقي والبحيرات الكبرى من يناير إلى مارس 2017" أن مستويات الأزمة الغذائية في القرن الأفريقي ارتفعت بنسبة 30 في المائة مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في يناير 2016. ويفيد ذات التقرير أن موجات الجفاف المتتالية التي ضربت المحاصيل، إضافة إلى النزاعات المسلحة وانعدام الأمن، والأزمات الاقتصادية أثرت بشكل أساسي على الفئات الهشة والأكثر ضعفاً في دول القرن الأفريقي والبحيرات الكبرى.
ويشير التقرير أيضا إلى أن سوء التغذية الحاد وفقر الدم بين الأطفال دون سن الخامسة، لاسيما اللاجئين منهم، لا يزال مصدر قلق كبير في أجزاء كبيرة من جنوب السودان وأثيوبيا والصومال والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا.
وأكد على أن عشرة مخيمات للاجئين من أصل 24 مخيماً في أثيوبيا تجاوزت عتبة الطوارئ، كما أن عدد المحتاجين لمساعدات غذائية مستعجلة في بوروندي ارتفع العام الماضي من1.1 مليون شخص إلى ثلاثة ملايين، ما يقدر بنحو 26 في المائة من مجموع السكان.
وحري بالذكر أن الوضع لا يقل خطورة بالعالم العربي، حيث بدأت المشكلة الغذائية في الوطن العربي مع بداية السبعينات وأصبحت في نهاية العقد الماضي واحدة من أخطر المعضلات التي تواجهها دول المنطقة العربية، بعد أن وصلت إلى مستويات حرجة لتبلغ قيمة الفجوة الغذائية حوالي 14 مليار دولار. ومن تمظهرات هذه الفجوة، أن المنطقة تواجه تحديات الأمن الغذائي المتمثلة في التناقص المستمر لنصيب الفرد من الأراضي والمياه المتاحة، المصحوب بالزيادة المستمرة في أسعار الأغذية، وانعدام تأمين سبل معيشة صغار الفلاحين، كل ذلك نتيجة تضافر عدة عوامل منها (1) الارتباطات القوية بين أسواق النفط وأسواق الأغذية الدولية، (2) زيادة الطلب نتيجة الزيادة السكانية في العالم وزيادة حصص اللحوم والبيض ومنتجات الألبان في سلال الغذاء، (3) موجات الجفاف في المناطق المنتجة للحبوب، (4) تنافس الوقود الحيوي مع الغذاء من أجل المادة المدخلة والأراضي الصالحة للزراعة، (5) السياسات الزراعية الضعيفة وغير المواتية الني تطبق في معظم البلدان النامية، و(6) المضاربات التجارية في السلع الزراعية. بالإضافة إلى هذه العوامل الاقتصادية الإقليمية والدولية، هناك آثار التغيرات المناخية والمتمثلة في انخفاض كميات المياه الجوفية الصالحة للري، واتساع رقعة التصحر، وانخفاض خصوبة التربة وتضاؤل مساحات الأراضي الصالحة للزراعة .
ووفق «التقرير العالمي لأزمات الغذاء 2017»، الذي تم إعداده بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي والصندوق العالمي للغذاء ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، يفتقر 60 مليون شخص في العالم العربي إلى بعض الخدمات والمواد الضرورية للحياة. نصف هؤلاء، أي 30 مليون شخص، واجهوا أزمة حادة في توفير احتياجاتهم الغذائية الأساسية، بخاصة في اليمن وسورية والسودان والصومال والعراق وجيبوتي، وبدرجة أقل في ليبيا وموريتانيا.
حضرات السيدات والسادة،
نظراً لتفاقم حجم المشكلة الغذائية التي لا تملك المنطقة العربية والأفريقية معها التحرر من التبعية الخارجية، إلا بقيام تكامل اندماجي زراعي، فقد أصبح أمراً ضرورياً ومطلوباً من دول المنطقة قيام هذا التكامل سواء على مستوى تنسيق الجهود أو توحيد الإمكانات والموارد، أو وضع مشاريع إنمائية بصفة عامة والمتعلقة بحل مشكلة الغذاء بصفة خاصة، فالتكامل بين الأيدي العاملة الزراعية في بعض الدول، وعنصر توافر الأرض في بعض البلدان، وتوفر المال في البعض الآخر من شأنه أن يحقق تكاملاً في مجال التنمية الزراعية، ويحل مشكلة البطالة الزراعية، فضلاً عن تحقيق الأمن الغذائي والحد من مظاهر الفقر والهشاشة.
وفي نفس السياق، تبرز الحاجة إلى إدماج اقتصاديات البلدان بإفريقيا والعالم العربي عن طريق تجميع الموارد وعوامل الإنتاج المادية والبشرية، وحرية تبادل السلع والمنتجات بين دول المنطقتين وحرية تنقل الأشخاص للإقامة والعمل بما ييسر انتقال رؤوس الأموال فيما بينها، مما يستوجب منا كبرلمانات العمل على توفير إرادة سياسية عربية وأفريقية مشتركة، تعمل على إقامة تكامل بين خطط التنمية في دول الرابطة واستثمار الفرص المشتركة في تنشيط التبادل التجاري، والاستفادة من الإمكانات الواعدة للاستثمارات المتبادلة بين هذه الدول وإشراك القطاع الخاص.
لهذه الاعتبارات، اسمحوا لي في ختام هذه الكلمة، أن أقدم مقترحا عمليا بهذا الشأن، حيث أرى أن موضوع الأمن الغذائي بإفريقيا والعالم العربي يجب أن يندرج ضمن المواضيع ذات الأولوية في جدول أعمال الرابطة برسم السنة المقبلة، وأن نفكر بشكل جماعي في ابتكار آلية برلمانية مشتركة ضمن الرابطة تؤسس لتعاون برلماني فعال في اتجاه خفض الجوع والارتقاء بالأمن الغذائي بالمنطقة، وأن نعمل سويا على الانتقال بسرعة وفعالية من مرحلة الالتزام السياسي إلى مرحلة الفعل والمبادرات الملموسة.
ومن هذا المنطلق، اسمحوا أن أفصح لكم عن أملي في أن نتمكن من إقامة شبكة برلمانية للبحث والتنسيق في موضوع الأمن الغذائي بأفريقيا والعالم العربي، تقوده الرابطة بشراكة مع الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومختلف المنظمات الإقليمية والدولية ذات الارتباط.
وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة.