لوساكا-عاصمة زامبيا، 19-23 مارس 2016
"تشبيب الديمقراطية، إعطاء الكلمة للشباب"
السيد الرئيس،
السيدات والسادة رؤساء وممثلي الوفود البرلمانية المشاركة،
يشرفني، بعد توجيه الشكر للجمعية الوطنية الزامبية وكافة مؤسسات زامبيا وشعبها، أن أتناول الكلمة باسم الوفد البرلماني المغربي في هذا المحفل الدولي الهام، ويشرفني كذلك أن أنقل إليكم، جميعا، تحيات عضوات وأعضاء البرلمان المغربي بمجلسيه، وأن أنقل إليكم استعدادهم الدائم للعمل معكم لتحقيق الرسالة والأهداف النبيلة للاتحاد البرلماني الدولي.
إنني أهنئ الاتحاد البرلماني الدولي على اختيار موضوع نقاش بالغ الأهمية لجمعيته 134، ألا وهو موضوع "تشبيب الديمقراطية، إعطاء الكلمة للشباب"، ذلك أنه إذا كانت دينامية وطاقات الشباب هي رأسمال كل مجتمع، فقد أضحى من الأهمية الاستجابة لمختلف تطلعات الشباب الذي يشكل شريحة واسعة، بل شريحة كاسحة، من القاعدة السكانية بالعالم.
ولست بحاجة للرجوع إلى رصيد الوثائق التي صدرت عن المؤسسات الدولية والإقليمية لإثبات الحاجة الملحة، أكثر من أي وقت مضى، لإقرار برامج وسياسات تستجيب لتطلعات الشباب. إن وثائق الأمم المتحدة، لاسيما منذ إعلان السنة الدولية للشباب سنة 1985، ووثائق الاتحاد البرلماني الدولي، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الدولية، حافلة وغنية في هذا الباب.
ومما لاشك فيه، أننا نتقاسم القناعة بأن الدول التي اعتمدت على الاستفادة من طاقاتها الشابة، استطاعت أن تجني الكثير من المكتسبات وأن تكون في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة، والصورة معكوسة بالنسبة للدول التي أهملت الاستثمار في شبابها حيث جعلت هذا الإمكان البشري معطل ومنتج للإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعدم الاستقرار.
حضرات السيدات والسادة،
أريد أن أتقاسم معكم بعض عناصر تجربتنا الوطنية، وأشير إلى أنه في بلدي المغرب، تزيد نسبة الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و34 سنة عن 36%، أي ما يعادل 13 مليون نسمة من مجموع السكان.
والمغرب، منذ تسعينات القرن الماضي، أطلق مبادرات وأوراش وديناميات إصلاحية على جبهات ومستويات مختلفة سمحت لنا منذ 2011، تاريخ إقرار دستور جديد متقدم بالمعايير الديمقراطية كما هي متعارف عليها دوليا، بربح رهان المرور، بخطى ثابتة، من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى مرحلة توطيد الديمقراطية.
وضمن إطار هذا المسار الإصلاحي، الذي يوطد التقاء إرادتين صلبتين، إرادة ملك مصلح متجاوب مع نبض مجتمعه وتطلعات فئاته المختلفة، وإرادة شعب طموح ناضج يسعى إلى التغيير بهدوء والبناء على التراكم في إطار الاستمرارية، تم اتخاذ تدابير من أجل دعم ولوج الشباب للسياسة والمشاركة في صنع القرار، بتخفيض سن التصويت إلى 18 سنة وتشكيل اللائحة الوطنية للشباب ككوطا لفئة الشباب بجانب فئة النساء في مجلس النواب. وقد مكنت هذه المبادرة الاستثنائية (في إطار تدابير التمييز الإيجابي) من تحصيل 30 مقعدا لفائدة الشباب في مجلس النواب. كما تم تحديد نسبة 30% كحد أدنى لتمثيل الشباب في مختلف مؤسسات الأحزاب.
وبما أن الوثيقة الدستورية هي النظام الأساسي الذي ينظم العلاقات داخل الدولة وبين مؤسساتها، فقد استجاب كذلك دستور 2011 الجديد لمطالب الشباب بوضعهم في صلب هذه الوثيقة، لاسيما ما تضمنه الفصل 33 من مقتضيات مرتبطة بتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، وبمساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني...
وحاليا، هناك مشاريع ومبادرات نوعية وحاسمة على جدول أعمال الحكومة والبرلمان، أذكر منها: إحداث مجلس استشاري للشباب وإقرار قانون المناصفة والمساواة.
أما بخصوص العمل البرلماني، فتجدر الإشارة إلى أن قضايا الشباب تحظى باهتمام متزايد لدى الفرق والمجموعات البرلمانية، سواء على مستوى العمل التشريعي أو على مستوى الرقابة وتقييم السياسات العمومية.
وعلى سبيل المثال، أذكر أنه من ضمن النصوص التشريعية المصادق عليها من لدن المجلسين خلال السنة التشريعية السابقة، ما لا يقل عن 10 نصوص لها ارتباط مباشر بفئة الشباب، وعلى رأسها مشروع القانون المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة، علما بأن جل القوانين المصادق عليها لها أثرها غير المباشر على الشباب، وتختلف بين تشريعات ذات طابع معياري تنظم مجالات معينة تفتح الباب لتمكين الشباب، أو ذات طابع مالي ترصد اعتمادات لتمويل برامج تهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب وفي مقدمتها القوانين المالية السنوية والميزانيات القطاعية المتفرعة عنها، لاسيما الميزانية الفرعية لوزارة الشباب والرياضة.
وفيما يتعلق بآلية الأسئلة، فقد بلغ عدد الأسئلة الموجهة من طرف أعضاء مجلس المستشارين إلى الحكومة في القطاعات ذات الارتباط بقضايا الشباب، خلال الدورة المنصرمة لوحدها (دورة أكتوبر 2015)، ما مجموعه 191 سؤالا شفهيا، تمت الإجابة على 51 منها. كما بلغ عدد الأسئلة الكتابية الموجهة إلى الحكومة ضمن نفس الإطار ما مجموعه 28 سؤالا.
ولن تفوتني الفرصة، دون التذكير بأن مجلس المستشارين (أحد غرفتي البرلمان المغربي)، بادر في خطوة هي الأولى من نوعها على صعيد دول الجنوب، إلى تنظيم منتدى برلماني دولي للعدالة الاجتماعية يومي 19 و20 فبراير 2016، شرفنا الاتحاد البرلماني الدولي بالانضمام إلى أشغاله في شخص السيد صابر الشاودري، رئيس الإتحاد، كما شاركت فيه منظمة الأمم المتحدة وجميع الهيئات التابعة لها، وأعضاء من البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا، وعدد من المجالس البرلمانية الوطنية بإفريقيا والعالم العربي، وبمشاركة عدد كبير من فعاليات المجتمع المدني، ومن ضمنها فعاليات شبابية وممثلين عن برلمان الطفل.
وقد توج هذا المنتدى البرلماني، الذي نظمه مجلس المستشارين احتفاء باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف 20 فبراير، باعتماد إعلان الرباط للعدالة الاجتماعية والوثيقة المرجعية بشأن معالم النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية.
حضرات السيدات والسادة،
لقد استمعنا البارحة إلى تصريحات قوية، تدعو إلى الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، والواقع أن أسئلة وتطلعات الشباب لا تحتاج إلى خطابات بقدر ما تحتاج إلى قرارات وأفعال. وبالتالي، فالحاجة اليوم ملحة إلى إعادة البناء والتعاقد مع الشباب وجعل قضاياه أولوية الأولويات في صنع السياسات العمومية، مع تعزيز قضايا الشباب قانونيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتنمويا.
وإن المؤسسات بكل مكوناتها معنية اليوم أكثر مما مضى، بالانخراط الفعلي في حماية النشء وبتوفير كل السبل والإمكانات لنجاح السياسات العمومية ذات الصلة بالشباب، مع ضمان آليات التنسيق اللازمة لتملك قضايا الشباب في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وغيرها.
وعلينا أن نطرح على أنفسنا سؤالا جوهريا:
- لماذا تنتشر وتتوسع مساحات التعصب والتطرف والإرهاب؟
- لماذا تكتسب ثقافة الكراهية مساحات إضافية؟
- لماذا تلتحق أعدادا غفيرة من الشباب، من مختلف الجنسيات، بداعش؟
- لماذا أصبحت داعش متواجدة ب12 دولة؟
مخطئ من يعتقد بأن الأشخاص الملتحقون بداعش من شتى بقاع العالم، هم فقراء. بل إن أحد الأسباب العميقة لهذه الظاهرة، يتجلى في تهميش الشباب وعدم تمكينهم من المشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم ومستقبلهم.
وجدير بالذكر أن هناك شرائح أخرى من المجتمع تعاني من التهميش والإقصاء، إلى جانب فئة الشباب، خاصة النساء والأطفال والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة. وبالحديث عن النساء فقد صدرت في الأيام القليلة الماضية دراسة عن McKinsey Global Institute تشير إلى أن اعتماد إجراءات المساواة والمناصفة بين الجنسين من شأنها أن تؤدي في أفق سنة 2025 إلى إضافة 12 ألف مليار دولار إلى الناتج الداخلي الخام الدولي، أي ما يعادل الناتج الداخلي القومي لثلاث دول كبرى هي اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة. وعلينا أن نسائل أنفسنا: ماذا عسى دولنا أن تحققه من ربح اقتصادي إذا كانت جادة، فعلا وليس قولا، من أرباح لفائدة شعوبنا لو أعطيت لشبابنا الكلمة، أعني لو أتيحت لهم شروط تفجير ما يتوفرون عليه من طاقات؟
ومن هنا، فإن البرلمانات الأعضاء في الاتحاد البرلماني الدولي مدعوة، قبل فوات الأوان، إلى إطلاق مبادرات ملموسة. وإننا نتشرف، باسم البرلمان المغربي، أن نتقدم أمامكم بمساهمة في هذا الاتجاه، وهي عبارة عن وثيقة تروم اقتراح "براديغم" يجيب على قضايا أفقية بشأن العدالة الاجتماعية، لاسيما أن "تعزيز دور البرلمانات في تحقيق الديمقراطية" يشكل المحور المفصلي في إستراتيجية الاتحاد البرلماني الدولي.