مداخلة الأستاذ حكيم بن شماش
رئيس مجلس المستشارين
بمناسبة احتضان البرلمان المغربي لأشغال الندوة المشتركة مع الجمعية البرلمانية لمنظمة حلف شمال الأطلسي
20-22 أبريل 2016
20 أبريل 2016
السيد رئيس مجلس النواب المحترم
السيد جيلبير لوبريس رئيس المجموعة الخاصة للبحر الأبيض المتوسط و الشرق الأوسط بالجمعية البرلمانية لمجلس أوربا
السيد ماسيمو باجي سفير الكنفيدرالية السويسرية بالمملكة المغربية
السيدات و السادة،
يشرفني باسم مجلس المستشارين أن أشارك معكم في هذه الندوة الهامة التي أفترض أن نقوم فيها بتمرين التفكير الجماعي بشأن القضايا والأسئلة المرتبطة بالتحديات الأمنية و الجيوسياسية المشتركة بين بلادنا و محيطها الإقليمي من جهة و منظومة حلف شمال الأطلسي من جهة ثانية.
وإننا نولي في مجلس المستشارين كامل الأهمية لهذا التمرين بالنظر للدور الأساسي الذي تلعبه الجمعية البرلمانية لمنظمة حلف شمال الأطلسي في إعداد المشرعين في البلدان المنتمية للحلف للمشاركة في النقاشات العمومية المتعلقة بالقضايا الأساسية ذات الطابع الأمني والجيوسياسي وكثير منها مطروح على جدول أعمال منظمة حلف الشمال الأطلسي، في نفس الوقت الذي تقوي فيه قدرات برلمانات الدول الأعضاء في الحلف في مجال المراقبة.
كما أن مساهمتنا في هذه الندوة تندرج بالتأكيد في الدور الذي ينتظر منا شركائنا البرلمانيون في الجمعية القيام به بوصفنا دولة جارة و شريكة من أجل السلم لحلف شمال الأطلسي، ولا يفوتني التأكيد أيضا بهذا الصدد أننا نتقاسم القيم نفسها و كذا الأولويات نفسها المتعلقة بدعم موقع البرلمانات في مسار إعداد و تتبع و تقييم السياسة الخارجية و سياسات الدفاع.
أيتها السيدات و السادة،
بالنظر إلى المحاور التي سنتداول بشأنها في هذه الندوة، فإني أود أن أشير إلى أننا نتقاسم معكم نفس التشخيص الوارد في الفقرات 7، 8، و 9 من حيثيات القرار رقم 420 للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي المعتمدة بتاريخ 12 أكتوبر 2015. فنحن مقتنعون، بالنظر لتجربتنا الوطنية المعتمدة على مقاربة استباقية في مكافحة الإرهاب بأن تدابير حفظ النظام غير كافية و أنه ينبغي دعمها ببرامج للوقاية من النزوع الراديكالي radicalisation و نزع الطابع الراديكالي déradicalisation .
و يمكن أن نؤكد اليوم، بقدر عال من الثقة، بعد تقييم أولي للتجربة المغربية في مكافحة الإرهاب منذ أكثر من عقد من الزمن بأن المجهود المتظافر لسياسات إعادة هيكلة الحقل الديني، و تكريس الطابع المركزي لقيم الإسلام السمح، و مساعي الرعاية اللاحقة و المراجعات الإرادية و التدريجية التي قام بها عدد من المحكومين سابقا في قضايا الإرهاب ، إضافة إلى المسلسل الذي أعلن جلالة الملك محمد السادس مؤخرا عن اطلاقه لمراجعة مناهج التربية الدينية، هي كلها مساعي يمكن في حالة قراءتها كجزء من استراتيجية شمولية أن تعتبر ركائز نموذج مغربي خاص في مجال سياسات الوقاية من الإرهاب، و هو نموذج يمكن تقاسمه مع شركائنا في حلف شمال الأطلسي و مع محيطنا الإقليمي.
إننا نتقاسم معكم أيضا الانشغال بضرورة عدم السقوط في الفخ الذي ينصبه الإرهاب لجميع الدول الديمقراطية، هو فخ الاستسلام السهل لإغراء التخلي التدريجي عن القيم التي تشكل أساس المجتمعات الديمقراطية و التي تجمعنا كشريك من أجل السلم معكم كحلف شمال الأطلسي ألا و هي قيم الحرية، و الديمقراطية و حقوق الإنسان.
و على سبيل المثال فإن تحديات مكافحة الإرهاب أدت بالعديد من الدول الديمقراطية إلى وضع تشريعات تقييدية للحقوق و الحريات (ضدا على المرتكز الرابع للاستراتيجية الأممية المندمجة في مجال مكافحة الإرهاب، حيث ينص هذا المرتكز على ضرورة احترام و حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب)، و في الوقت الحالي فإن بلادنا محصنة من هذا الانزلاق بضمانات دستورية و اتفاقية دولية متينة، بفضل تظافر جميع مكونات المجتمع.
كما نتقاسم معكم نفس التشخيص المتعلق بضرورة التعاون الدولي من أجل التنمية، و إبداع حلول وطنية للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و تقوية الديمقراطية المحلية على مستوى الجماعات الترابية بوصفها أفضل الضمانات للوقاية من الإرهاب. و في الوقت الحالي الذي بدأت فيه المجالس الجهوية المنتخبة بممارسة اختصاصاتها الدستورية و القانونية الجديدة ،خاصة في مجال الإعداد التشاركي لبرامج التنمية الجهوية، يمكن التفاؤل بالأثر الذي سيحدثه هذا الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية على مستوى بعض المناطق القروية و بعض الأحياء المحيطة للمدن، المحددة جغرافيا، التي تعيش بعض الفئات الهشة فيها وضعية تعرضهم إلى مخاطر الانزلاق نحو مشاريع إرهابية أو الالتحاق بجماعات إرهابية.
كما تحاول بلادنا تقديم عناصر إجابة في صورة سياسات عمومية على التحديات الاستراتيجية المتعلقة بالتنمية المستدامة سواء في المجال الطاقي (الطاقات المتجددة) أو في مجال الأمن الغذائي (مخطط المغرب الأخضر).
و إذا كان المغرب قد وضع منذ 2013 عناصر سياسة إنسانية جديدة في مجال الهجرة ، فإن تدبير التدفقات الهجروية و النازحين من دول تعرف نزاعات وتوترات، يطرح تحديا فيما يتعلق بالقدرة المالية و التنظيمية و الإدارية على تدبيرها. و في هذا المجال بالذات، يبدو أن سياسات الهجرة المنتهجة على مستوى الاتحاد الأوربي في علاقة بشركائها و من بينهم المغرب، لا تقدم حلولا ملائمة
إن تثبيت هذا النموذج الوطني يتم في محيط صعب ، محيط أقل ما يقال عنه أنه محيط تهيمن عليه في المرحلة الراهنة وفي المدى المنظور على الأقل حالة من اللايقين . فالاستعمالات السياسية للقضايا الحقوقية من قبل عدد من المنظمات الدولية و حتى من قبل جوارنا الصعب، إضافة إلى المخاطر المستمرة و الجدية التي يمثلها التقاء استراتيجية البوليساريو الانفصالية مع استراتيجيات الجماعات الإرهابية و شبكات الجريمة المنظمة و الهجرة غير النظامية و الاتجار بالبشر في منطقة الساحل و الصحراء، هي كلها مخاطر و تهديدات لا يمكن مواجهتها إلا عبر إجابات منسقة تتظافر فيها جهود الدول مع دعم المنظمات الإقليمية بما فيها حلف شمال الأطلسي. و لذا فإننا نتقاسم كبرلمانيين نفس الانشغالات العامة التي عبرت عنها جمعيتكم البرلمانية في قرارها رقم 425 المعنون "من أجل إجابة عاجلة، شمولية و موحدة إزاء أزمات الشرق الأوسط و شمال إفريقيا" المعتمدة بتاريخ 12 أكتوبر 2015.
أيتها السيدات و السادة،
أود أن أناشدكم في الأخير أن نضع نصب أعيننا، بوصفنا مشرعين في بلداننا، مفهوم "الأمن البشري" كما جرى تحديده في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 290-66 بتاريخ 10 سبتمبر 2012 و كذا قرارها رقم 291-64 بتاريخ 16 يوليوز 2010، و كما طورته التقارير المتعددة للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص، و هنا اسمحوا لي أن أذكر في هذا الصدد بستة عناصر و خلاصات جوهرية ناتجة عن هذا المفهوم :
-
مفهوم الأمن البشري يشكل ﻧﻬجا لمساعدة الدول على استجلاء التحديات الشاملة الواسعة النطاق التي ﺗﻬد د بقاء شعوﺑﻬا وتنال من سبل رزقها وكرامتها والتصدي لها
-
يتطلب الأمن البشري اتخاذ تدابير شاملة وقائية محورها الناس ملائمة لسياقات محددة بحيث تعزز حماية جميع الأفراد وجميع اﻟﻤﺠتمعات وتمكينهم
-
ترتكز مقاربة الأمن البشري على الترابط بين السلام والتنمية وحقوق الإنسان ولا تميز بين الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
-
يتكامل مفهوم الأمن البشري مع مفهوم المسؤولية عن الحماية وإعمالها و كذا مع أمن الدول
-
يدعو الأمن البشري إلى تقديم استجابات شاملة ووقائية يكون محورها الإنسان وتلائم كل سياق وتعزز حماية وتمكين الأفراد ومجتمعاﺗﻬم
-
الأمن البشري هو إطار سياساتي حيوي وعملي للتصدي للتهديدات الواسعة الانتشار والشاملة لعدة مجالات بطريقة متسقة وشاملة وذلك بزيادة فرص التعاون والشراكة بين الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية واﻟﻤﺠتمع المدني و الجهات الفاعلة في اﻟﻤﺠتمع المحلي.
تلكم، أيتها السيدات والسادة بعض العناصر التي أود إثارتها في مطلع نقاش سيتناول قضايا متنوعة مثل الأولويات الداخلية و الخارجية لبلادنا، و الاستراتيجية الدولية الموحدة في مواجهة التحديات الأمنية في الشرق الأوسط، و مكافحة التطرف و إصلاح قطاع الأمن والتحديات الأمنية في ليبيا و منطقة الساحل، و الأمن الإنساني في بيئة متغيرة، و مكافحة الفساد وتدبير التدفقات الهجروية.
أتمنى لأشغال ندوتكم كامل النجاح.