تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة السيد رئيس مجلس المستشارين بمناسبة تنظيم ندوة من قبل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان

2015-12-16

 

 

كلمة السيد رئيس مجلس المستشارين،

الأستاذ حكيم بن شماش،

 

بمناسبة تنظيم ندوة من قبل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان حول مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالملتمســـات و العرائض

ـ الرباط: الخميس 10 دجنبر  2015 ـ

 

أيتها السيدات و السادة،

يسعدني أن يكون موضوع أحد أولى الأنشطة المنظمة بين مجلس المستشارين و المجتمع المدني منصبا على آليتين أساسييتين للديمقراطية التشاركية و هما الملتمسات في مجال التشريع و العرائض الموجهة إلى السلطات العمومية.

ذلك أن هذا اليوم الدراسي يمثل إحدى أولى أشكال أجرأة الهدف الثالث من استراتيجية عمل مجلس المستشارين و المتمثلة في جعل المجلس فضاء للحوار  العمومي و النقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور و تحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية.

 

المحددات:

و أود في هذه الكلمة الافتتاحية أن أذكر بثلاث محددات أساسية وجوهرية أعتبر أن هناك ضرورة منهجية لاستحضارها في هذا النقاش الذي أتمناه أن يكون مثمرا بخصوص مشروعي القانوننين التنظيميين المتعلقين ب تقديم الملتمسات و  العرائض.

  1. المحدد الأول يتمثل في ضرورة استحضار طبيعة الطلب الاجتماعي و السياسي على دسترة آليات الديمقراطية التشاركية و شبه المباشرة كما تم التعبير عنها في المذكرات الموجهة إلى اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور.  وهو طلب يبين أولوية تقوية نظام الديمقراطية التشاركية بآليات ملائمة، مبسطة من الناحية المسطرية، سهلة الاستخدام، تتيح للمواطنات و المواطنين الولوج الواسع إلى هذه الآليات و إمكانية نقل طلباتهم، بالمعنيين الوظيفي و النسقي للكلمة إلى السلطات العمومية بالمعنى الواسع و  تضمن التكامل السلس بين عمل التشريع المندرج في إطار الديمقراطية التمثيلية و بين الطلب على التشريع المتأتي عن طريق الديمقراطية التشاركية.

 

  1. و المحدد الثاني يتمثل في ضرورة القراءة النسقية لفصول الدستور لا سيما الفصول 12، 13، 14، 15  و 30 منه، كما تجدر إثارة الانتباه إلى وجود إمكانية معيارية لتوسيع مفهوم السلطات العمومية ليشمل أيضا الجماعات الترابية بالنظر لعدد من الاعتبارات:

 

  1. لتمتعها بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و

  2. بالنظر لتعويض مفهوم الوصاية بالمراقبة الإدارية و

  3. بالنظر لطبيعة الاختصاصات الذاتية التي أصبحت تمارسها بمقتضى القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية و  

  4. كذا بالنظر للمستجد المتمثل في توفر الجماعات الترابية ، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 140 من الدستور .

إن إطار القراءة هذا سيمكن من استثمار أوسع الفرص المعيارية التي يتيحها دستور بلادنا ل 2011 الذي يقر بالديمقراطية المواطنة و التشاركية كإحدى أسس النظام الدستوري لبلادنا بمقتضى الفصل الأول من الدستور.

  1. يتمثل المحدد الثالث في استحضار القانون الدولي لحقوق الإنسان و خاصة  مقتضيات المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و  كذا الفقرة السادسة من الملاحظة العامة رقم 25 للجنة المعنية بحقوق الإنسان (و هي  الهيأة التي تتتبع  تطبيق الدول لالتزاماتها بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية)  و التي تعتبر أن المواطنين يشاركون " مباشرة في إدارة الشؤون العامة عندما يمارسون السلطة بوصفهم أعضاء الهيئات التشريعية أو بشغل مناصب تنفيذية و تؤيد الفقرة (ب) الحق في المشاركة  المباشرة و يشارك المواطنون في إدارة الشؤون العامة بصفة مباشرة أيضا عندما يختارون دستورهم أو يعدلونه أو يبتون في مسائل عامة عن طريق الاستفتاءات الشعبية أو غيرها من الإجراءات الانتخابية . و يجوز للمواطنين أن يشاركوا مباشرة بانضمامهم إلى المجالس الشعبية المخولة بسلطة اتخاذ القرارات في المسائل المحلية أو في شؤون جماعة معينة و بانتسابهم إلى هيئات تنشأ بالتشاور مع الحكومة لتمثيل المواطنين. و يجب حيثما أقرت المساهمة المباشرة للمواطنين ألا يميزوا بين المواطنين و ألا تفرض عليهم قيود غير معقولة ".

إن مرجعية الأمم المتحدة، ما فتئت تذكر بضرورة تبسيط شروط المشاركة المواطنة في الحياة العامة. ففي تقريرها  المعنون "  ﺩﺭاﺳﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ المشتركة التي  ﺗﻮﺍﺟﻬﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻝ في ﺇﻃﺎﺭ ﺟﻬﻮﺩﻫـﺎ ﺍﻟﺮﺍﻣﻴﺔ إلى ﺿﻤﺎﻥ ﺍﻟﺪيمقراطية  ﻭﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ"     أوصت مفوضة الأمم المتحدة السامية سابقا لحقوق الإنسان ب "  القضاء على العوائق أمام المشاركة  في الحياة العامة و صنع القرار" . و ضمن نفس المنحى أشارت  مفوضة الأمم المتحدة السامية سابقا لحقوق الإنسان في تقريرها المعنون " العوامل التي تعوق المشاركة السياسية على قدم المساواة بين الجميع والخطوات اللازم اتخاذها للتغلب على هذه التحديات إلى أن :  " حقوق المشاركة يمكن أن تفهم الآن على أنها تشمل حق المرء في أن يستشار وأن تتاح له الفرص على قدم المساواة وبصورة فعلية للمشاركة في عمليات صنع القرارات المتعلقة بجميع شؤون الصالح العام " .  

و ضمن نفس الإطار أوصي باستحضار الملاحظة العامة رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان  بخصوص حربة الرأي و حرية التعبير  حيث تشير  اللجنة إلى أنه يجب "ألا تنقلب العلاقة بين الحق والقيد وبين القاعدة والاستثناء" و مبدأ عدم تحويل الشروط conditions التي من شأنها تنظيم و تسهيل ممارسة الحق إلى قيود restrictions.  و هي قاعدة يتعين استحضارها بشكل خاص في إعادة التفكير في الشروط المادية الشكلية الخاصة بقبول الملتمسات و العرائض الواردة في مشروعي القانونين التنظيميين.

 

التحديات القانونية والعملية:

انطلاقا من المحددات المذكورة أتمنى و أتوقع  أن يقدم يومكم الدراسي إجابات عن بعض التحديات القانونية و العملية التي تطرحها بعض مقتضيات مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالملتمسات و العرائض.  

اكتفي هنا بذكر تسعة  تحديات أصوغها في تسعة أسئلة:

كيف يمكن توسيع الولوج إلى ممارسة الحق في الملتمسات و العرائض؟

كيف يمكن تبسيط البنيات الحاملة للملتمسات و العرائض؟

كيف يمكن تدقيق و تبسيط بعض شروط قابلية التلقي المادي للملتمسات والعرائض بما يضمن عدم التوسع في السلطة التقديرية و يضاعف من فرص قبول الملتمسات والعرائض ؟  

كيف يمكن إعمال مقتضيات الفصل 5 من الدستور عبر التنصيص على إمكانية تحرير الملتمس باللغة العربية و الأمازيغية؟

كيف يمكن الحد من مخاطر عدم قبول الملتمسات و العرائض بسبب عدم توفر الشروط الشكلية  و تمكين المبادرين بالملتمس أو العريضة من تعديلها في أجل معقول؟

كيف يمكن ضمان عيانية visibilité و حماية المتقدمين بالملتمسات و العرائض ؟

كيف يمكن تسهيل طرق جميع التوقيعات و تقديم حلول تمكن من تتبع موضوع الملتمس أو العريضة و الترافع بشأنها لدى السلطات العمومية المعنية بهاتين الآليتين؟

كيف يمكن تدقيق الآجال المتعلقة بمختلف مراحل المسارات المسطرية للملتمسات و العرائض؟

وكيف يمكن في الأخير إرساء الالتزام الإيجابي للسلطات العمومية بتقديم الدعم المالي و التقني  للجمعيات العاملة في مجال مساعدة اصحاب العرائض و الملتمسات و مجانية جميع الأعمال و المساطر المتعلقة بهما؟.

أيتها السيدات و السادة،

لا يفوتني في الأخير بأن أذكركم بأن الهدف الخامس من استراتيجية عمل مجلس المستشارين يتمثل في وضع إطار مؤسساتي متكامل لآليات ممارسة الديمقراطية التشاركية في مجال اختصاص المجلس، و يتضمن هذا الهدف إجراءا ذا أولوية يتمثل في تعديل النظام الداخلي لمأسسة العمل الترافعي للمجتمع المدني على مستوى المجلس  بما في ذلك نظام للتسجيل  لدى مكتب المجلس حسب موضوعات الترافع، كيفيات و شروط تنظيم الأنشطة المتعلقة بالترافع، شفافية عمليات الترافع، إمكانية

الاستماع إلى ممثلي المجتمع المدني في إطار عمل اللجان الدائمة، وضع البنيات التنظيمية لتلقي و معالجة الملتمسات و العرائض في إطار أجرأة القانونين التنظيميين 44.14 و 64.14 مع مراعاة الانسجام مع مجلس النواب.

 

                           أتمنى لأشغال يومكم الدراسي كامل النجاح.