السيد رئيس جمعية رؤساء الجهات،
السيد رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين،
السادة رؤساء وممثلي الجهات والجماعات الترابية،
السادة ممثلو المؤسسات الوطنية والقطاعات الحكومية،
السيدات والسادة البرلمانيون،
حضرات السيدات والسادة،
بداية أود أن أعبر عن شكري لمبادرة فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين على اختياره لتنظيم هذه الندوة، حول ورش الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي لبلادنا.
إن الأسئلة التي تطرح ضمن أي نقاش حول تنزيل وتفعيل ورش الجهوية المتقدمة تحيل في نظري على ثلاث مستويات:
1/ يتمثل المستوى الأول في أن عددا من مقتضيات القانون الدستوري للجماعات الترابية تمنح لنا جميعا أساسا معياريا لوضع حلول قانونية تنظيمية وعملية لمسألة التقائية السياسات العمومية على المستوى الترابي.
ومن هذه المقتضيات:
-
مبدأ التفريع subsidiarité المنصوص عليه في الفصل 140 من الدستور،
-
-ومبدأ توزيع الاختصاصات إلى اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة وأخرى منقولة من الدولة إلى الجماعة الترابية (الفصل 140)،
-
مبدأ أن نقل الاختصاص يكون مقرونا بنقل الموارد (المالية والبشرية خاصة) المطابقة له (الفصل 141)،
-
مبدأ تبوؤ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات (الفصل 143).
ويترتب على هذا المستوى الأول من الأسئلة، تساؤل مركزي مفاده: إلى أي حد تم استثمار هذه الفرص في القانون التنظيمي 14-111 المتعلق بالجهات.
2/ أما المستوى الثاني فيتمثل في كيفية أجرأة التوصيات الواردة في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعنوان "متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية" :
أمثلة :
-
توصيات متعلقة بتحديد الأدوات والمقاربات المتعلقة بمجال نقل السلطات،
-
تحسين انسجام واندماج السياسات العمومية على المستوى الترابي
-
تعزيز التعاون والنهوض بمشاركة الفاعلين المؤسساتيين والترابيين
-
تقوية آليات الديمقراطية التشاركية على المستوى الترابي...
وهنا يتعين أن يتم تدارس كيفيات أجرأة توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بارتباط بالتفكير المشترك في التجارب المعاشة من قبل رؤساء الجهات ومكاتبها المسيرة ومختلف أشكال التحديات المتعلقة بممارسة اختصاصاتهم الجديدة في إطار القانون التنظيمي 111-14، ذلك أن ممارسة هذا الربط بين تحليل توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتجارب المعاشة هو إطار قراءة كفيل بتحليل مشاكل كثيرة ...
أظن أن المشكلة المفتاح تكمن في الطابع العام لمعايير توزيع مساهمة الميزانية العامة المرصدة للجهات، وهي المعايير المنصوص عليها في المادة 1 من المرسوم رقم 2.15.997 الصادر في 30 ديسمبر 2015: 50% بالتساوي على الجهات، 37.5% بناء على عدد سكان الجهة، 12.5% بناء على مساحة الجهة. وعما إذا كان من الأجدر والأجدى اعتماد معايير أكثر دقة، على سبيل المثال : مؤشرات الفقر والهشاشة على مستوى الجهة، نسب التجهيز بالبنية التحتية الأساسية، مؤشر الولوج إلى الصحة وإلى التمدرس.
اظن كذلك أن الربط بين تحليل توصيات المجلس والتجارب المعاشة حاليا من قبل مسيري مجالس الجهات هو الذي سيمكن من جهة أخرى، من إدراك الأولوية الفائقة: إنشاء قطب اجتماعي على المستوى الجهوي في إطار اللاتمركز الإداري (التوصية رقم 56 من توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي)، وهي توصية ستمكن في حال تنفيذها من تقوية التنسيق بين الجهة والقطاعات الحكومية غير الممركزة المشكلة للقطب الاجتماعي.
3/ مستوى ثالث من الأسئلة، يرتبط بالتوصيات الهامة المثارة في إطار التقرير الذي أعدته منظومة الأمم المتحدة بالمغرب لفائدة الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة والمعنون " التقائية السياسات العمومية، مسالك للفعل"، والصادر في يناير 2015،
خاصة منها تلك المرتبطة بالإطار العام للالتقائية الوطنية والخطوط التوجيهية للسياسات العمومية ذات الطابع متعدد القطاعات خاصة على المستوى الترابي والشراكات بين الدولة والجهات وتشجيع المقاربات التشاركية من أسفل إلى أعلى. ومن الممكن استحضار أهمية هذه التوصيات على ضوء الهندسة الجديدة لتوزيع الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة بين الجهات وبين العمالات والأقاليم والجماعات. وهو توزيع، بالرغم من جوانب قصوره الذي بدأت تبديه الممارسة، يبقى على العموم وفيا لمنطق القانون الدستوري للجماعات الترابية، حيث تبقى الجهة كمكان لالتقائية وانسجام البرمجة والتخطيط، والعمالة والإقليم كمستوى متوسط يعهد إليه على الخصوص بتصحيح الاختلالات المتعلقة بالولوج إلى الخدمات أو التجهيزات الأساسية على مستوى العمالة أو الإقليم، والجماعات كمستوى للقرب. ويجدر التذكير بهذا الصدد أن آليات الشراكة والتعاون بين الجماعات تشكل إجابة مؤسساتية ملائمة على تحديات أجرأة سياسات عمومية تهم وحدات سوسيومجالية unités socio-territoriales تتجاوز المجال الجغرافي للجماعة الترابية.
إن ورش الجهوية المتقدمة، الذي يتوخى منه أن يكون حجر الزاوية في البناء المؤسساتي لمغرب الغد، لا يقوم على مجرد ترتيب تقني وإداري، بل إنه مشروع مجتمعي كرسه دستور 2011 بكل ما في كلمة مشروع مجتمعي من معنى.
وبذلك، فإن ورش الجهوية المتقدمة، على المستوى العملياتي، يجب أن يستجيب لتحديين اثنين:
-
تمكين الجهة من المقومات التي تجعل منها الفاعل الأساسي على مستوى التنمية المحلية،
-
ولكن أيضا كشريك للدولة في السياسات الوطنية من خلال الاختصاصات المشتركة.
وإذا كانت الحكومة قد تجاوبت،نسبيا، مع ما عبر عنه بالإجماع المتدخلون في الملتقى البرلماني للجهات خصوصا الرؤساء والخبراء، عبر إصدار مجموعة من النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية، شهرا بعد انعقاد الندوة التأسيسية للملتقى البرلماني للجهات، فإنه يجدر التذكير بأن أجندة تفعيل الجهوية المتقدمة لا تقتصر فقط على الأجندة التشريعية، إذ أن بلوغ أهداف ومرامي الجهوية المتقدمة لا يتوقف فقط على إنتاج نصوص تشريعية، بقدر ما يتوقف على التدرج والبناء على التراكمات الإيجابية على مستوى الممارسة وآليات الحكامة. مما يستدعي إحداث إطار دائم للحوار والنقاش الموضوعاتي بين كل الفاعلين المعنيين بشكل ممنهج ومؤطر بالخبرة، بهدف تحقيق الحد الأدنى من الالتقائية والتكامل حول خيارات وأولويات التفعيل.
وفي ارتباط وثيق برهاني أجندة التشريع وأجندة الحوار والتنسيق المتلازمين، يطرح رهان من نوع آخر يتعلق بما يمكن أن يصطلح عليه بالقيادة الإستراتيجية لورش الجهوية المتقدمة، الذي يؤكد عليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضمن الرأي الذي أنجزه بتاريخ 31 مارس 2016. والحال أنه لا يمكن بلوغ الحد الأدنى من الالتقائية والاندماج على مستوى الإجراءات والسياسات التي يعتمدها مختلف الفاعلين وطنيا ومحليا، بدون قيادة إستراتيجية تنسق الخيارات والجهود وتسهر على تأطير الحوار والتنسيق بين مختلف الفاعلين المعنيين.
وضمن هذا المنطق، كانت إحدى الخلاصات الهامة المنبثقة عن الندوة التأسيسية للملتقى البرلماني للجهات، أن يتحمل مجلس المستشارين مسؤولية القيادة الاستراتيجية لورش الجهوية المتقدمة، باعتباره الامتداد التمثيلي للجهات ولمختلف المجالات الترابية ولما له من قدرات مؤسساتية على التنسيق بين مختلف الفاعلين، من قطاعات وزارية ومؤسسات وطنية وجهات ومجالات ترابية ومجتمع مدني...
حضرات السيدات والسادة،
يهمني في الأخير أن أذكر بأنه، تأسيسا على ما ذكر واستحضارا للمسؤولية الملقاة على عاتق مجلس المستشارين في الاضطلاع بمهام القيادة الاستراتيجية لتنزيل وتفعيل الجهوية المتقدمة وفي اتساق مع خطة عمله برسم الفترة 2016-2018، فقد أفضت الندوة التأسيسية للملتقى البرلماني للجهات، المنعقدة بتاريخ 6 يونيو 2016، إلى اعتماد خارطة طريق بمثابة أرضية عمل من أجل جهات ضامنة لالتقائية السياسات العمومية، تمت صياغتها بشراكة مع رؤساء الجهات ومختلف الفعاليات المشاركة في أشغال الندوة.
ويهمني أيضا أن أحيطكم علما بأن مكتب المجلس منكب منذ فترة على دراسة ورقة منهجية لتنفيذ التوصيات والخلاصات الواردة بذات الأرضية. ومنها على وجه الخصوص، عقد ندوات موضوعاتية بوتيرة نصف سنوية على مستوى جهات المملكة، علما بأن جهة سوس-ماسة وجهة طنجة بادرتا إلى طلب عقد ندوة موضوعاتية في هذا الشأن.
من جهة أخرى، لن أفشيكم سرا بأن عددا من وكالات التعاون والمؤسسات الدولية أبدت رغبتها وعبرت عن جاهزيتها لدعم مجلس المستشارين من أجل الاضطلاع بهذا الدور القيادي في تفعيل الجهوية المتقدمة. ومنها على سبيل المثال مؤسسة وستمنستر للديمقراطية ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية.
كانت هذه إذن، بعض مسالك التفكير والفعل التي وددت تقاسمها معكم إغناءا للنقاش. وإذا أردتم أن يكون عملنا منتجا فإنني ألتمس ضم وثيقة أرضية عمل من أجل جهات ضامنة لالتقائية السياسات العمومية الصادرة عن الدورة التأسيسية للملتقى البرلماني للجهات بتاريخ 6 يونيو 2016، إلى الرصيد المرجعي لهذه الندوة.
ومرة أخرى أجدد الشكر لفريق العدالة والتنمية وأتمنى لأشغال ندوتكم موفور النجاح، وشكرا على حسن إصغائكم.
تجدون رفقة مداخلة السيد رئيس مجلس المستشارين، وثيقة أرضية عمل من أجل جهات ضامنة لالتقائية السياسات العمومية الصادرة عن الدورة التأسيسية للملتقى البرلماني للجهات بتاريخ 6 يونيو 2016