أحيي في البداية السيدات والسادة مسؤولي وأعضاء الفيديرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية ، كما أحيي جميع السيدات والسادة الحاضرين بدون استثناء وأقول لهم أهلا وسهلا بكم في رحاب مجلس المستشارين
و يشرفني أن أساهم بكلمة افتتاحية في هذا اليوم الدراسي الذي يحتضنه مجلس المستشارين حول تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
أذكر في البداية أن تنظيم هذا اليوم الدراسي يندرج في إطار أجرأة الهدف الثالث من استراتيجية عمل مجلس المستشارين، المتمثل في جعل هذه المجلس مؤسسة متفاعلة من نبض المجتمع ودينامياته و فضاء للحوار العمومي و النقاش المجتمعي التعددي، لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور و تحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق لاسيما الثقافية و اللغوية منها.
و أود في البداية أن أشير إلى بعض المحددات المنهجية الدالة التي أعتبر أنه من الضروري التذكير بها، في سياق النقاش العمومي حول إعداد مشروعي القانونين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية و المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية.
اولا: إن قراءة نسقية لمقتضيات الدستور بوصفها كلا و بشكل يربط بين تصديره و بين الفصل الخامس منه، هي وحدها القراءة التي تمكن من استجابة متسمة بالصلاحية المعيارية و التأويلية للمتطلبات الدستورية المتعلقة بالحقوق اللغوية والثقافية .
و هنا ينبغي أن أذكر بأن القراءة النسقية لدستورنا، أي القراءة التي تتعاطى مع الدستور نصا وروحا ككل مترابط هي ضرورة لا غنى عنها لتعزيز وتوطيد التطور الديمقراطي ببلادنا. ولحسن الحظ فإن هذه القراءة النسقية أصبحت تجد لها أساسا في الاجتهاد القضائي الدستوري، ذلك أن المجلس الدستوري أشار في إحدى حيثيات قراره رقم 817 بتاريخ 13 أكتوبر 2011 إلى أن " الدستور متكامل في مبادئه وأهدافه".
ثانيا: ينبغي أيضا أن أذكر أن المرتكز الأول للتعديل الدستوري، الوارد في الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 تمثل في " التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة"، كما أن الخطاب الملكي ل 17 يونيو 2011 أشار في المحور الثاني للتعديل الدستوري إلى دلالات دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة إلى جانب اللغة العربية و ذلك بالإشارة إلى " أساس التلاحم بين مكونات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية; فإن مشروع الدستور يكرس اللغة العربية لغة رسمية للمملكة، وينص على تعهد الدولة بحمايتها والنهوض بها." و قد قدم نفس الخطاب دلالة هذه الدسترة كتتويج لمسار شاق لإعادة الاعتبار للمكون اللغوي و الثقافي و الهوياتي الأمازيغي منذ 1999 و بشكل خاص منذ 2001 و ذلك "كرصيد لجميع المغاربة; على أن يتم تفعيل ترسيمها ضمن مسار متدرج، بقانون تنظيمي، يحدد كيفيات إدماجها في التعليم، وفي القطاعات ذات الأولوية في الحياة العامة". و ضمن نفس المنطق أشار الخطاب الملكي ل 9 أكتوبر 2015 في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان إلى الدور المركزي للمجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية باعتباره "مجلسا يضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات وليس وضع هيكل عام لمؤسسات مستقلة" .
أيتها السيدات و السادة،
يتقاسم مختلف الفاعلين في مجال الحقوق اللغوية و الثقافية و في تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية على وجه الخصوص معاينة مفادها البطء المسجل في مسار إنتاج القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
و الجدير بالذكر أن البطء المذكور لا يؤثر فقط سلبا على مسار إعمال مقتضيات الدستور لا سيما الفصل 5 منه، و إنما قد ينعكس فيما بعد على عدد من القوانين ذات الصلة الوثيقة بضمان الحقوق اللغوية و الثقافية كالمسطرتين المدنية و الجنائية ، و القوانين المتعلقة بالتعليم و التكوين و البحث العلمي ، أو في مجال الوظيفية العمومية أو القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية. و هذه حالات نثيرها على سبيل المثال لا الحصر.
ذلك أنه يتوقع في حال سريان مفعول القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية العودة إلى القوانين المذكورة لملاءمتها مع المقتضيات الجديدة للقانون التنظيمي في حين أنه كان من الممكن تفادي ذلك عبر منح الأولوية للقانون التنظيمي المذكور على الأقل منذ 2012.
و لكي أقدم مثالا ملموسا بهذا الخصوص أشير، على سبيل المثال فقط، إلى أن الخبيرة الأممية المستقلة السابقة في مجال الحقوق الثقافية، فريدة شهيد قد أوصت في تقرير بعثتها إلى المغرب في سبتمبر 2011 ب" تعزيز المهارات اللغوية في صفوف الموظفين الحكوميين والإداريين الذين يقدمون خدمات عامة للناطقين بالأمازيغية، وفي صفوف القضاة والمحاميين، وضمان تدريب وتوفر مترجمين شفويين لدى المحاكم". و هي تدابير كان من الممكن اتخاذها بتدابير للسياسات العمومية، و لا يبدو أن من المستساغ التذرع بانتظار صدور القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لبدء إنفاذها. و على سبيل المثال فإن مجلس المستشارين أقر في استراتيجية عمله، على مستوى الهدف الثامن عددا من التدابير المتعلقة بتوفير الوسائل البشرية و المادية و اللوجيستيكية الضرورية لنقل transcription مداولات المجلس باللغة الأمازيغية في نشرة مداولات مجلس النواب. و كذا توفير الترجمة الفورية باللغتين الرسميتين للبلاد على مستوى اللجان الدائمة و الجلسات العامة.
أيتها السيدات و السادة،
لقد شكل البطء في مسار إنتاج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وضعية دفعت عددا من الهيئات الأممية للمعاهدات الى تقديم ملاحظات دالة، فاللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية قد أوصت بلادنا في ملاحظاتها الختامية الصادرة بتاريخ 22 أكتوبر 2015 " باعتماد مشروع القانون التنظيمي بشأن اللغة الأمازيغية باعتبارها من اللغات الرسمية للدولة في أقرب وقت ممكن"، و هي نفس التوصية التي وردت في تقرير الخبيرة الأممية المستقلة السابقة في مجال الحقوق الثقافية، فريدة شهيد في تقرير بعثتها إلى المغرب في سبتمبر 2011 و التي اعتبرت " سن قوانين فورية لإنفاذ الحكم الدستوري الذي يمنح اللغة الأمازيغية صفة رسمية" في طليعة التحديات التي دعت الحكومة إلى إعطائها الأولوية.
لا يفوتني أن أذكر أيضا أن من الضروري التفكير بشكل عميق في حدود المنهجيات الحالية للاستشارات العمومية بشأن القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
و من منظوري الشخصي المتواضع فإن هذه الاستشارات العمومية ينبغي أن تكون دامجة و أن تنصب بدقة على القضايا الأساسية المتعلقة بمجالات الحياة العامة ذات الأولوية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بما في ذلك سيناريوهات التحديد القانوني للآجال المتعلقة بإعمال الالتزامات العمومية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، كما ينبغي من وجهة نظري أن تستثمر الاستشارات العمومية كل المذكرات و الآراء المنتجة من طرف المجتمع المدني ليس فقط بالنظر للمسار التشاركي الذي ميز إنتاجها و إنما أيضا لقيمتها التقنية العالية.
هذه بعض الملاحظات أردت ان أتقاسمها معكم بهدف المساهمة البناءة في إثراء النقاش العمومي الدائر حول واحدة من أهم وأدق القضايا المطروحة على جدول أعمال بلادنا ,
شكرا لإصغائكم وأتمنى لأشغال يومكم الدراسي كامل النجاح.