الثلاثاء 03 ماي 2016
أيتها السيدات و السادة،
يشرفني أن أساهم باسم مجلس المستشارين في الجلسة الافتتاحية لأشغال الورشة الوطنية حول أهداف التنمية المستدامة، و هي الورشة التي تعتبر تمرينا جماعيا و تشاركيا يهدف إلى وضع أولى لبنات أجرأة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 و المعنونة " تحويل عالمنا" في صيغة سياسات عمومية أفقية، قطاعية و ترابية في بلادنا.
و يطيب لي أن أذكر في البداية بالطابع الأفقي لتدخل البرلمان بمجلسيه في أجرأة خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بالنظر لوضع البرلمان كسلطة دستورية ممارسة للسلطة التشريعية، و للرقابة على العمل الحكومي و لتقييم السياسات العمومية.
و لقد تم تكريس هذا المنطق الأفقي لدور البرلمان في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 70/1 ذاته و المتضمن لخطة التنمية المستدامة، حيث جاء في الفقرة 45 منه أنه " نعترف أيضا بالدور الأساسي الذي تضطلع به البرلمانات الوطنية من خلال سن التشريعات واعتماد الميزانيات ودورها في كفالة المساءلة عن فعالية تنفيذ التزاماتنا"
كما أوردت الفقرة 52 من قرار الجمعية العامة البرلمان كمكون قائم الذات في إعمال و تتبع و تنفيذ خطة التنمية المستدامة حيث ورد في الفقرة المذكورة أنه " إذا كانت العبارة الشهيرة ”نحن الشعوب“ هي فاتحة الميثاق، فإننا ”نحن الشعوب“ نبدأ اليوم مسيرنا في الطريق الذي يقودنا نحو عام 2030. وسيرافقنا في رحلتنا كل من الحكومات والبرلمانات ومنظومة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، والسلطات المحلية، والشعوب الأصلية، والمجتمع المدني، والأعمال التجارية والقطاع الخاص والأوساط العلمية والأكاديمية والناس قاطبة. وقد تفاعل مع هذه الخطة ملايين الناس الذين سيجعلون منها خطة لهم. فهي خطة الناس وضعت على أيدي الناس لصالح الناس، وهذا في اعتقادنا ما سيكفل لها النجاح. "
إضافة إلى هذا التذكير، فإني أود الإشارة إلى الموقع الخاص لمجلس المستشارين بتعدد مكوناته الترابية و النقابية و المهنية ، و هو موقع يمكنه من تحمل خاص، في حدود أدواره الدستورية بالطابع، لقضايا أساسية لمسار أجرأة خطة التنمية المستدامة على المستوى الوطني كالتقائية السياسات الاجتماعية الموجهة للفئات الهشة أو ضمان الطابع الأفقي لقضايا النوع و المساواة سواء على مستوى السياسات العمومية الوطنية أو على مستوى السياسات العمومية للجماعات الترابية، و كذا الاستخدام المتكامل لآليات الدعم العمومي المبنية على الاستهداف الاجتماعي و الترابي للأسر و ولآليات جبائية ملائمة لتصحيح اختلالات تتعلق بصعوبات هيكلية للولوج إلى بعض الحقوق الاجتماعية أو من أجل الحد من العوامل البنيوية المؤدية إلى التفاوتات الاجتماعية. و يعتبر إيجاد أجوبة سياسات عمومية على هذه القضايا حيويا لأجرأة بعض أهداف الخطة بشكل خاص و التي نذكر بها على سبيل المثال لا الحصر كالهدف الأول المتمثل في القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، و الهدف الخامس المتمثل في تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات و كذا الهدفين العاشر و الحادي عشر المتمثلان على التوالي في الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها , و في جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة.
أيتها السيدات و السادة،
اسمحوا لي أيضا أن أذكر، و نحن بصدد الجلسة الافتتاحية لهذه الورشة أن أي مسار لأجرأة خطة التنمية المستدامة 2030 على المستوى الوطني ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مكاسب و تحديات السياسات العمومية الاجتماعية ببلادنا.
ذلك أن بلادنا قد حققت في رصيدها عددا من التجارب الوطنية و المبادرات العمومية ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بأهداف التنمية المستدامة، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية و برنامج التنمية الموجه لساكنة العالم القروي الذي تم الإعلان عنه في خطاب عيد العرش ل 30 يوليوز 2015، و مسار البرمجة الموازناتية المبنية على النوع الاجتماعي و خطة العمل الوطنية للطفولة و إحداث صندوق التماسك الاجتماعي و آليات التخطيط التشاركي الجديدة المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية و النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية و مشروع الميثاق الاجتماعي الذي أعده المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، و مسار مأسسة الحوار الاجتماعي. و يجدر التذكير أيضا بالمكتسبات المنجزة في مجال تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، كما تبرزه المؤشرات الإحصائية المقدمة من طرف المندوبية السامية للتخطيط.
غير أن هذه المكتسبات تقابلها تحديات تتمحور في جانبها المتعلق بهندسة السياسات العمومية على الأقل حول ضعف التقائية السياسات العمومية القطاعية و الترابية المرتبطة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة و كذا محدودية خيارات الاستهداف الاجتماعي و الترابي لفئات خاصة كالأطفال و الشباب و المسنين و الأشخاص ذوي الإعاقة.
إن تشخيص هذه الفرص و التحديات هو الذي حذا بمجلس المستشارين إلى أن يؤمن آليات التحمل الأفقي لأدوار التشريع و المراقبة و تقييم السياسات العمومية ذات الصلة بأهداف خطة التنمية المستدامة في إطار إعمال ورقة الطريق الاستراتيجية للفترة الممتدة من 2015 إلى 2017. و قد اتخذ المجلس بهذا الخصوص مجموعة من التدابير همت على الخصوص :
· وضع إطار لتقييم أولي لأثر مشاريع القوانين التنظيمية و العادية ذات الأولوية من منظور المساواة بين الرجال و النساء و الأثر على الجماعات الترابية
· وضع إطار منهجي و مؤسساتي لتقييم السياسات العمومية الأفقية و القطاعية و الترابية مع استكمال مسلسل إبرام مذكرات تفاهم مع المؤسسات الدستورية الاستشارية قصد تقديم الرأي و المشورة إلى مجلس المستشارين بهذا الخصوص. و تجدر الإشارة إلى أن هذا الإطار يستحضر خطة العمل المنجزة من قبل الاتحاد البرلماني الدولي بشأن البرلمانات الحساسة للنوع الاجتماعي[1].
و ضمن نفس المنطق تجدر الإشارة إلى أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ذاتها شكلت عنصرا من العناصر المرجعية في وثيقة معالم النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية. التي شكلت بدورها إحدى مخرجات الندوة الدولية حول الموضوع التي نظمها مجلس المستشارين يومي 19 و 20 فبراير 2016، كما أن صياغة التحديات الواردة في الوثيقة المرجعية للنموذج ارتكزت على جميع أهداف التنمية المستدامة.
أيتها السيدات و السادة،
لا يفوتني في الأخير، و نحن في هذا المحطة المفصلية التي تمثلها الورشة الوطنية حول أهداف التنمية المستدامة، أن أذكر ببعض المحددات المنهجية التي أعتبرها ضرورية لأي مسعى يستهدف أجرأة خطة التنمية المستدامة 2030 على المستوى الوطني.
و قد تمت الإشارة إلى المحددات المذكورة في نص الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية. و تتمثل هذه المحددات فيما يلي:
· الترابط الوثيق بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي،
· استحضار المقاربة التشاركية والمقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان
· استحضار التزامات دستور بلادنا والتزاماتنا بمقتضى الاتفاقيات التي صادقت عليها بلادنا وانضمت إليها، لاسيما المتعلقة منها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحقوق الطفل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
· و أخيرا استحضار الطابع الأفقي للمساواة بين الجنسين.
حضرات السيدات والسادة
اريد في الأخير ان اختم مداخلتي بالافصاح عن قناعة مفادها ان النقاش حول سبل وآليات تملك المغرب لأهداف التنمية المستدامة وأجرأتها يستوجب ، بالضرورة ، استحضار جملة من التحديات والرهانات بعضها يكتسي طابعا بنيويا، واسمحوا لي أن أشير ،دون الخوض في التفاصيل ،الى أربعة منها أتمنى أن تكون حاضرة ، بالجدية المطلوبة ، في الأجندة الوطنية:
1- التحدي الأول مرتبط بإرساء دعائم نموذج تنموي جديد أو متجدد :
- نموذج مستدام، يمكن من خلق الثروة والشغل ويوفر العدالة الاجتماعية والمجالية على حد سواء،
- نموذج يقوم على تعزيز القدرة التنافسية للعرض الوطني الموجه للتصدير، من خلال الاستثمار الأمثل للفرص التي يتيحها مخطط التسريع الصناعي والإمكانيات التطويرية التي تتيحها المهن العالمية،
- نموذج تلعب فيه الدولة دورا متجددا عبر سياسات عمومية متجانسة وأكثر نجاعة، وتتناغم وتتكامل فيه الاستراتيجيات والمخططات القطاعية ضمن رؤية استراتيجية شمولية،
- نموذج يقوم على تعزيز تراكم الرأسمال اللامادي، إلى جانب الرأسمال المادي، كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويرتقي ضمنه تقليص الفوارق إلى نفس الدرجة من الاهتمام التي يحظى بها النمو الاقتصادي.
2-التحدي الثاني مرتبط باستثمار كافة الفرص والإمكانيات التي يتيحها ورش الجهوية المتقدمة، كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة لتحقيق تنمية سوسيواقتصادية متوازنة، من خلال الاستثمار الأمثل للمؤهلات والموارد الذاتية لكل جهة واستنهاض همم مختلف الفاعلين المحليين والمشاركة في إقامة وإنجاز المشاريع المهيكلة الكبرى وتقوية جاذبية الجهات.
"- التحدي الثالث مرتبط بتعبئة الإمكانيات لضمان الاستجابة للحاجيات المتنامية لفئات مجتمعية وازنة، وعلى رأسها النساء والشباب، والتي أصبحت تعبر عن حاجياتها المادية والثقافية بطرق أكثر ملحاحية وأكثر فاعلية.
4- التحدي الرابع مرتبط بتهديدات التغيرات المناخية ورهان بلورة إستراتيجية وطنية مندمجة لتدبير المخاطر الطبيعية
وحري بالذكر، أن المغرب يتكبد خسائر تقدر بحوالي 5.6 مليار درهم سنويا جراء الزلازل والفيضانات، و بحوالي 4.6 مليار درهم سنويا جراء المخاطر الفلاحية كالجفاف وانزلاق التربة والتصحر.
شكرا على انتباهكم و أتمنى لأشغال الورشة الوطنية كامل النجاح.