تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة رئيس مجلس المستشارين في حلقة النقاش حول تقيـيم إسهام البرلمانات في أعمال مجلس حقوق الإنسان

2016-06-23

جنيف 22 يونيو 2016

 

أيتها السيدات والسادة،

اسمحوا لي في البداية أن أذكر الحضور الكريم أن هذه الورقة تعتبر مرافعة ترمي إلى الدفع قدما بمسلسل تقوية  إسهام البرلمانات في أعمال مجلس حقوق الإنسان واستعراضه الدوري الشامل  على النحو الذي ورد فيه في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 65/123 بتاريخ 13 ديسمبر 2013  و رقم 66/261 بتاريخ 29 ماي 2012  و رقم  68/272  بتاريخ 19 ماي 2014 و كذا قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 22/15 بتاريخ 21 مارس 2013  بشأن إسهام البرلمانات في أعمال مجلس حقوق الإنسان واستعراضه الدوري الشامل و قرار مجلس حقوق الإنسان رقم29 /26 ، بتاريخ 27 يونيو 2014، و رقم 30.14 بتاريخ 1 أكتوبر 2015.

و تمثل هذه المرافعة مساهمة في تحقيق أهداف حلقة نقاش هذه التي حدد قرار مجلس حقوق الإنسان رقم رقم 30.14 هدفا لها  "تقييم إسهام البرلمانات في أعمال المجلس واستعراضه الدوري الشامل"  في أفق "تحديد سبل تعزيز ذلك الإسهام بقدر أكبر".  

وتكاملا مع ما تعلمونه جميعا عن الأدوار الاستراتيجية التي يلعبها مجلسكم المـــــوقر هذا وكـــذا الاتحاد البرلماني الدولي في هذا الصدد، فإن مرافعتي ستستند إلى تقريب المشــــاركات و المشاركين من التجربة المغربية في دور البرلمان، عبر مجلس المستشارين الذي أتشرف برئاسته، في تحويل الالتزامات الدولية  للمملكة المغربية إلى سياسات وقوانين وطنية، و في إعمال الأدوار الدستورية للبرلمان في مجال التشريع و المراقبة و تقييم السياسات العمومية من أجل ضمان أوسع و أسرع تنفيذ ممكن للتوصيات المقدمة خلال دورات الاستعراض الدوري الشامل  و  كذا الملاحظات الختامية الموجهة إلى بلادنا من طرف هيئات المعاهدات و التوصيات الموجهة إلى بلادنا من طرف أصحاب الولايات برسم المساطر الخاصة، إضافة إلى التوصيات المقدمة من آليات حقوق الإنسان الأخرى التي تعمل على المستوى الوطني كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان.  

و تجدر الإشارة إلى أن هذا الدور يرتكز على عدد من العناصر المعيارية و التعاقدية الذي تمكن البرلمان من لعب دور مركزي في ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع التزاماتنا المترتبة عن الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها،  بوصف الملاءمة ضمانة أساسية لإعمال التزامات الدولة بحماية حقوق الإنسان و النهوض بها.

 

أيتها السيدات و السادة،

ينبغي أن أذكر في البداية أن تصدير دستور بلادنا الذي يشكل جزءا لا يتجزأ منه، يكرس التزام الدولة المغربية ب"حماية منظومتي حقوق الإنسان و القانون الدولي   والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء ؛" و كذا "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة." و من البديهي أن هذه الالتزامات تتحملها مختلف السلط الدستورية في ممارسة مختلف وظائفها و مهامها الدستورية،  بما في ذلك البرلمان الذي أناط به الفصل 70 من الدستور ممارسة  السلطة التشريعية. و التصويت على القوانين و مراقبة عمل الحكومة و تقييم السياسات العمومية. و يتضح إذن أن مقتضيات الدستور ترسي أساسا معياريا لممارسة العمل البرلماني في مختلف وظائفه من منظور حقوق الإنسان.

و لقد تم تكريس هذا المنحى في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان ، و على سبيل المثال فإن النظام الداخلي لمجلس المستشارين بتضمن مقتضيات خاصة بعلاقة المجلس بمؤسسات و هيئات حماية الحقوق و الحريات و الحكامة الجيدة و التنمية البشرية و المستدامة و الديمقراطية التشاركية و هي المواد 281إلى 284 من النظام الداخلي المذكور و التي تتيح لرئيس مجلس المستشارين، بناء على قرار المكتب أو طلب رئيس فريق أو لجنة دائمة، أن يحيل على المؤسسات والهيئات الدستورية بما فيها، على سبيل المثال لا الحصر،  مؤسسات حماية حقوق الإنسان و النهوض بها كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان و الوسيط و الهيأة المكلفة بالمناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز  طلب بذل المساعدة والاستشارة بخصوص مشاريع القوانين أو الاتفاقيات الدولية وكذا مقترحات القوانين المعروضة على المجلس، وذلك دون الإخلال بالاستقلالية التي تخولها القوانين المحدثة لها، وداخل أجل محدد متفق عليه لا يؤدي إلى وقف أشغال اللجن الدائمة بخصوصها. و تضمن مقتضيات النظام الداخلي أيضا عيانية visibility ملحوظة  لآراء هذه المؤسسات حيث يتعين إدراج الآراء الاستشارية المدلى بها ضمن تقارير اللجن الدائمة المرفوعة إلى الجلسة العامة.

و قد تم ترسيم  هذا النمط الجديد الذي يقوي أدوار البرلمان في مجال حماية حقوق الإنسان و النهوض بها من خلال قرارات المجلس الدستوري (رقم 924 بتاريخ 22 غشت 2013 و رقم 929 بتاريخ 19 نونبر 2013) القاضيين بمطابقة مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب مع أحكام الدستور، و كذا قراريه رقم 938.14 بتاريخ 14 يونيو 2014 و 942.14 بتاريخ 21 يوليوز 2014 القاضيين بمطابقة مقتضيات النظام الداخلي لمجلس المستشارين  مع أحكام الدستور  لحظة مميزة بالنسبة لعلاقة البرلمان، مع باقي المؤسسات الوطنية المعنية بالحقوق والحريات والحكامة الجيدة، حيث مكنت المقتضيات الجديدة الواردة في النظام الداخلي لمجلس النواب ومثيلاتها في النظام الداخلي لمجلس المستشارين من تحقيق مرحلي لهدف مساهمة غرفتي البرلمان بشراكة مع مؤسسات حماية حقوق الإنسان و النهوض بها  في تطوير ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها بلادنا، و تعزيز أدوار البرلمان في تقييم السياسات العمومية بالاستناد على المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان.

 

أيتها السيدات و السادة،

أود أيضا أن أشير إلى إحدى عناصر قوة التجربة المغربية في مجال العلاقات بين مؤسسات حماية حقوق الإنسان و النهوض بها و البرلمانات، و التي يعتبر برلمان بلادنا إحدى البرلمانات القليلة التي سلكت سبيل مأسسة هذه العلاقة بالاستناد إلى مبادئ بلغراد حول العلاقة بين البرلمانات الوطنية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المصادق عليه بمقتضى قرار مجلس حقوق الإنسان رقم A/HRC/20/9 بتاريخ 22 فبراير 2012.

ذلك أن مجلسي البرلمان (مجلس النواب و مجلس المستشارين)  و المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد  استندوا كل في مجال اختصاصه على النقطتين  20 و 22 من مبادئ بلغراد المذكورة من أجل توقيع مذكرة تفاهم، بتاريخ 10 ديسمبر 2014  حددت كهدف استراتيجي مشترك لها "التعاون و العمل على اعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان في مجالات التشريع و مراقبة عمل الحكومة و تقييم السياسات العمومية " .

و تسمح مذكرة التفاهم هذه بتعبئة مشورة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال اعتبار مقاربة حقوق الإنسان في عملية التشريع و ملاءمة النظام القانوني الوطني مع الاتفاقيات  المتعلقة بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، و استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال دراسة أثر مشاريع المعاهدات و الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان و الموجودة قيد المصادقة على المنظومة القانونية الوطنية وعلى التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان، وفي  مجال تقييم السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان .  و كذا في مجال دعم القدرات  في مجال مقاربة حقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان

وتكمن إحدى جوانب قوة مذكرة التفاهم في كونها تنص على إعداد البرلمان بمجلسيه بمعية المجلس الوطني لحقوق الإنسان  استراتيجية مشتركة لمتابعة التوصيات التي تقدمها الآليات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان متابعةً منهجيةً.  كما أن  مذكرة التفاهم تتيح إمكانية إنجاز مختلف البرامج المندرجة في إطارها  بشراكة مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان و المؤسسات الأكاديمية الوطنية والدولية، والمنظمات الدولية الحكومية, والمنظمات غير الحكومية.

 

أيتها السيدات والسادة،

إن هذه المرتكزات ذات الطابع المعياري والتعاقدي  في آن واحد هي التي مكنت مجلس المستشارين من تحقيق ثلاث مكتسبات استراتيجية هامة في مجال تقوية دوره المتعلق بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها وكذا دوره المتعلق بملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع التزاماتنا الاتفاقية.

يتمثل المكتسب الأول في تعبئة الدور الاستشاري للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر طلب آرائه الاستشارية في مشاريع قوانين ذات علاقة وثيقة بالحقوق المضمونة بمقتضى الدستور و بمقتضى الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، كمشروع القانون المتعلق بشروط الشغل و التشغيل للعمال المنزليين و القانونين التنظيميين المتعلقين بممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع و العرائض إلى السلطات العمومية وكذا مشروع القانون الإطار المتعلق بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و النهوض بها. علاوة على المساهمة  المستمرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي في أوراش التفكير التشاركي التي أطلقها مجلس المستشارين خلال هذه السنة في مجال العدالة الاجتماعية و ضمان الطابع الفعلي للحقوق الاقتصادية و  الاجتماعية والثقافية والبيئية وكذا في مجال إرساء مقاربة حقوق الإنسان على مستوى السياسات العمومية الترابية التي تندرج في إطار اختصاصات مجالس الجماعات الترابية (مجالس الجهات، مجلس العمالات و الأقاليم و مجالس الجماعات).  

أما المكتسب الثاني فيتمثل في عمل مجلس المستشارين الحالي على إعداد إطار مفاهيمي و منهجي لتقييم السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان بما في ذلك منظور النوع الاجتماعي ، حيث تمت تجربة ها الإطار بشكل أولي في تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالحكامة الترابية خلال السنة الفارطة.

أما ثالث المكتسبات فيتوخى إضفاء طابع استراتيجي و استشرافي و مستديم على مختلف ما تم ترصيده، و عرضه بشكل مختصر في هذه الورقة. و يتعلق الأمر  باستراتيجية عمل مجلس المستشارين للفترة الممتدة من 2015-2017  و التي تتضمن عددا من الإجراءات الأساسية ذات الصلة المباشرة بالاعتبار الأفقي لمقاربة حقوق الإنسان ، و من بين أهم هذه الإجراءات:

  • تقوية الإطار التقني و المؤسساتي لدراسة مشاريع و مقترحات القوانين  من منظور ملاءمته مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها و ذلك على ضوء الملاحظات الختامية الموجهة إلى بلادنا من طرف هيئات المعاهدات و كذا التوصيات الموجهة إلى بلادنا من طرف أصحاب الولايات برسم المساطر الخاصة و في إطار الاستعراض الدوري الشامل.

  • وضع إطار منهجي لاعتبار مقاربة النوع في ممارسة مختلف الأدوار الدستورية لمجلس المستشارين و ترتيب الآثار التنظيمية و على مستوى النظام الداخلي لذلك بعد اعتماد الإطار المنهجي من طرف مكتب المجلس، علما أنه  ستتم صياغة الإطار المنهجي المذكور على أساس خطة العمل المنجزة من قبل الاتحاد البرلماني الدولي بشأن البرلمانات الحساسة للنوع الاجتماعي

  • تنظيم فضاءات للحوار  العمومي و النقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور و تحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية

  • وضع إطار مؤسساتي متكامل لآليات ممارسة الديمقراطية التشاركية في مجال اختصاص المجلس

  • إحداث وحدة خاصة بالدعم التقني على مستوى الإدارة البرلمانية في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الاتفاقية لبلادنا.

تلكم أيتها السيدات و السادة، بعض عناصر التجربة المغربية في مجال اعتبار منظور حقوق الإنسان في مختلف أبعاده القانونية و ذات الصلة بالسياسات العمومية في ممارسة البرلمان لمهامه الدستورية، و إن هذا التراكم هو الذي يدفعني إلى تقديم أربع توصيات إلى حلقة النقاش هذه :

  1. مأسسة إمكانية مساهمة البرلمانات الوطنية بتقديم تقارير موازية(أمام هيئات المعاهدات أو في إطار الاستعراض الدوري الشامل ، بما يتطلبه ذلك من تعديل على مستوى المساطر ذات الصلة على مستوى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة؛

  2. تقوية اختصاصات لجان التشريع و حقوق الإنسان و العدل و اللجان المماثلة في المهام، و تبعا للأنظمة الدستورية لكل بلد في مجال دراسة و تتبع و تقييم ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع الالتزامات الاتفاقية لكل بلد بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان

  3. وضع البرلمانات، في البلدان التي تتيح أنظمتها الدستورية ذلك، لإطارات منهجية لتقييم السياسات العمومية باستعمال المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان و تعبئة المساهمة التقنية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان وباقي الوكالات الأممية المتخصصة و الاتحاد البرلماني الدولي في هذا الصدد

  4. تعميم إعمال مبادئ بلغراد حول العلاقة بين البرلمانات الوطنية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، عبر آليات مؤسساتية ملائمة تبعا للنظام الدستوري لكل بلد بما يضمن تعاونا مستديما بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان و البرلمانات.

 

شكرا على انتباهكم.