السيد رئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط،
السيد رئيس مجلس نواب رومانيا،
السيد نائب رئيس مجلس الشعب الجزائري ونائب رئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط،
السيدات والسادة أعضاء الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط،
السيد الكاتب العام للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط،
حضرات السيدات والسادة،
يشرفني أن أشارك في افتتاح أشغال الاجتماع الثلاثون للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط في نسخته الموسعة، الذي يحظى مجلسنا الموقر بشرف احتضانه، والذي يخصص للتداول في آفاق العمل بشأن مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيد المتوسطي.
وأود في البداية أن أهنئ الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط على الجهود التي تبذلها في سبيل تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات، بغية حل واحتواء المشاكل القائمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإزالة أسباب التوتر وما ينجم عنه من تهديد للسلم والأمن، وفي سبيل تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المنطقة.
إن أشغال اجتماعنا هذا، تنعقد في سياق تواجه فيه دول البحر الأبيض المتوسط تحديات مشتركة عبرت عنها بكل وضوح عدد من القرارات الأخيرة للجمعية البرلمانية والمتعلقة بقضايا المقاربات الشاملة و المندمجة في مجال مكافحة الإرهاب على ضوء التطور المقلق لبعض الظواهر كظاهرة المقاتلين الأجانب و التحدي الأمني الذي تطرحه على دول ضفتي المتوسط، حيث يمكن التذكير على سبيل المثال هنا بالأولويات المتفق عليها في قرار اللجنة الأولى الدائمة حول التعاون الأمني و القضايا المتعلقة بالأمن و المعتمد بتاريخ 2 فبراير 2015 خلال الدورة التاسعة للجمعية البرلمانية للحبر الأبيض المتوسط التي انعقدت بموناكو.
كما أود التذكير أيضا بالتحدي المشترك لمواجهة آثار التحولات المناخية في محيط إيكولوجي هش، هو المجال المتوسطي ، و هو تحدي تحددت أولوياته من خلال قرارات عدة اتخذتها الجمعية البرلمانية في هذا المجال، كما هو الشأن مثلا بالنسبة بالقرار المعتمد بتاريخ 3 فبراير 2015 المعنون "التحولات المناخية : الطريق إلى باريس 2015" و الناتج عن أشغال اللجنة الدائمة الثانية حول التعاون الاقتصادي و الاجتماعية و البيئي.
وضمن نفس الإطار، أود التذكير بالخلاصات الهامة التي تمخضت عن أنشطة حلقة النقاش panelالمنعقدة في إطار الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط حول التجارة والاستثمارات في البحر الأبيض المتوسط وهي التوصيات الصادرة ايضا بتاريخ 3 فبراير 2015 بوصفها إحدى نتائج أشغال اللجنة الدائمة الثانية حول التعاون الاقتصادي والاجتماعية و البيئي.
أيتها السيدات و السادة،
لقد قصدت بالإشارة إلى القرارات المذكورة، ليس فقط كمثال عن الاشغال المثمرة والتوصيات البناءة الصادارة عن العمل الدوؤب و النقاش التعددي بين ممثلي مختلف البرلمانات الأعضاء في الجمعية البرلمانية للمتوسط، و إنما اخترت أن أتقاسم معكم النقاش بشأن الموضوعات التي انصبت عليها هذه القرارات، لكونها تمثل في الوقت الراهن أولويات انشغالاتنا المشتركة نحن ممثلي برلمانات دول ضفتي المتوسط.
ففيما يتعلق بالتحدي الأول المرتبط بمكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي، فإن مجلسي البرلمان المغربي يتقاسمان تمام التقاسم الأولويات و الإطار المنهجي للسياسات الوطنية و الإقليمية و الشاملة لمكافحة الإرهاب كما وردت في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 2178 (2014) بتاريخ 24 سبتمبر 2014 (S/RES/2178 (2014)). بنفس المستوى من الأهمية الذي بتقاسمان فيه الأولويات المتعلقة بالدور الخاص للبرلمانات في المجهودات الهيكلية لمكافحة الإرهاب، كما وردت في عدد من أشغال الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك:
أولوية التعاون الثنائي و الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب و إيجاد الإطار التشريعي الملائم لذلك، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الأمني، القضائي و تبادل الخبرة و المعلومات والتجارب.
العمل عبر إجابات تشريعية و سياسات عمومية فعالة، على الإدماج الاجتماعي Inclusion sociale للفئات الهشة الأكثر عرضة للتهميش و الأكثر عرضة لمخاطر الانزلاق نحو التجذير radicalisation و التطرف الديني، و لا شك أن سياسات التشغيل و تطوير عرض التعليم و التكوين و سياسات العدالة الاجتماعية بشكل عام ومكافحة خطاب الكراهية و العنصرية و التطرف هي مداخل أساسية للقضاء على الأسباب البنيوية المغذية للإرهاب.
أيتها السيدات و السادة،
إننا مقتنعون، بالنظر لتجربتنا الوطنية المعتمدة على مقاربة استباقية في مكافحة الإرهاب و بعد تقييم أولي للتجربة المغربية في مكافحة الإرهاب منذ أكثر من عقد من الزمن بأن المجهود المتظافر لسياسات إعادة هيكلة الحقل الديني التي يشرف عليها جلالة الملك شخصيا بصفته أمير للمؤمنين وليس أميرا للمسلمين، و تكريس الطابع المركزي لقيم الإسلام السمح، و مساعي الرعاية اللاحقة و المراجعات الإرادية و التدريجية التي قام بها عدد من المحكومين سابقا في قضايا الإرهاب ، إضافة إلى المسلسل الذي أطلق مؤخرا لمراجعة مناهج التربية الدينية هي كلها مساعي يمكن في حالة قراءتها كجزء من استراتيجية شمولية أن تعتبر عناصر مقاربة مغربية خاصة في مجال سياسات الوقاية من الإرهاب، مقاربة محصنة بضمانات دستورية و اتفاقية دولية متينة، و هي مقاربة يمكن تقاسمها مع شركائنا في الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط.
وضمن نفس المنطق أود أن أذكر بمدخلين أساسيين، لابد من استحضارهما كجمعية برلمانية للبحر الأبيض المتوسط، في مجال مكافحة الإرهاب و التعاون الإقليمي المرتبط بمواجهة هذا الخطر الإقليمي و العالمي، و هما مدخلان لا يمكن التخلي عنهما، بالنظر للقيم الحضارية التي نتقاسمها جميعا على مستوى دول البحر الأبيض المتوسط، قيم الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و دولة القانون، أي القيم التي أنتجتها حضاراتنا المتوسطية المختلفة منذ العصر القديم.
إني أود أن أذكر في هذا الصدد، بالمرتكز الرابع للاستراتيجية الأممية المندمجة في مجال مكافحة الإرهاب، حيث ينص هذا المرتكز على ضرورة احترام و حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب. كما أود أن أذكر بمفهوم "الأمن البشري" كما وضع في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 290-66 بتاريخ 10 سبتمبر 2012 و كذا قرارها رقم 291-64 بتاريخ 16 يوليوز 2010، و كما طورته التقارير المتعددة للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص كإطار مفاهيمي مهيكل، لسياسات مكافحة الإرهاب مرتكزة على حقوق الإنسان. و يتعلق الأمر بمدخلين ما أحوجنا إلى استحضارهما كمشرعين في سياق الطلب المتزايد للحكومات عبر مشاريع القوانين، على تشريعات مكافحة الإرهاب.
أيتها السيدات و السادة،
اسمحوا لي أن أتقاسم معكم الآن، عددا من المداخل التأطيرية للنقاش حول رهانات البيئة و التنمية المستدامة و مكافحة آثار التحولات المناخية في البحر الأبيض المتوسط و نحن على بعد أيام من موعد MedCop Climat 22 الذي سينعقد بمدينة طنجة بمبادرة من مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة والذي سيجمع فاعلي الدول المتوسطية الأطراف في اتفاقية التغيرات المناخية، و على بعد أسابيع من تنظيم المؤتمر 22 للدول الأطراف في الاتفاقية الإطار الأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية، ولست بحاجة إلى التذكير هنا بهشاشة المنظومة الإيكولوجية للفضاء المتوسطي.
وهنا أود أن أستثمر لحظة تفكيرنا المشترك كمشرعين في التذكير بالارتباط العضوي بين مكافحة آثار التحولات المناخية والحد منها و أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030 ولاسيما الهدف 7 المتمثل في " ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة" و الهدف 11 المتمثل في " جعْل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة" وكذا الهدف 12 الخاص ب" ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة" و الهدف 13المتعلق ب" اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغيّر المناخ وآثاره" دون إغفال الهدف 14 المتمثل في " حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة". و ينبغي التذكير هنا أيضا بضرورة استحضار المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، التي أقرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2011، كإطار لتناول القضايا المتعلقة بالتجارة و الاستثمارات من منظور حقوق الإنسان و التنمية المستدامة، علما أن المدخل التشريعي، يعتبر ذا أثر حاسم في منح هذه المبادئ التوجيهية مدى فعليا في القوانين الوطنية للبلدان الأعضاء في الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط.
كما لا تفوتني فرصة تناول هذا الموضوع من أجل التذكير بضرورة استلهام الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط من خطة العمل البرلمانية حول التحولات المناخية للاتحاد البرلماني الدولي و التي تم إعدادها في إطار الاجتماع المنظم من طرف الاتحاد البرلماني الدولي و البرلمان الفرنسي في 5 و6 ديسمبر 2015 بباريس في إطار مؤتمر الأمم المتحدة حول التحولات المناخية.
ذلك أن خطة العمل تستهدف تكثيف عمل البرلمانات و الاتحاد البرلماني الدولي في مجال المناخ، وتشكل من ثم خطة متكاملة يمكن الاستلهام منه لصياغة خطط مماثلة ليس فقط على مستوى الجمعيات البرلمانية الجهوية (كما هو الشأن بالنسبة للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط) , و إنما أيضا على مستوى البرلمانات الوطنية. و يمكن الاستدلال في هذا المجال بأولويات للخطة تعتبر، من وجهة نظري كرئيس لمجلس المستشارين، ذات طابع استراتيجي لتحقيق إجابة فعالة تمكن من الوصول إلى الأفق المشترك الذي تم تحديده في بداية الجلسة التي أشارك فيها.
ومن تلك الأولويات التي يمكن التذكير بها، والواردة في الخطة، التحليل الممنهج للعمل التشريعي على المستوى الوطني في مجال التحولات المناخية، وتقديم تعديلات على الإطار التشريعي المتعلق بالبيئة بناء على اتفاق باريس حول المناخ ووضع آليات لمراقبة قدرة الحكومة على القيام بالتزاماتها الوطنية و الدولية.
ويتمثل المدخل الثالث و الأخير في استثمار برلمانات الدول الأعضاء في الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط للديناميات الوطنية المتعلقة بدعم البعد البيئي في السياسات العمومية،. و لأني لست في موقع تقديم تجارب مقارنة يمكنني الاكتفاء بتقديم تجربتين لمجلس المستشارين في إغناء هذه الدينامية الوطنية. تتمثل التجربة الأولى في كون إعلان المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية الصادر عن المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية المنعقد يومي 19 و 20 فبراير 2016 تحت شعار " تنمية الكرامة الإنسانية لتمكين العيش المشترك" و المنظم من طرف مجلس المستشارين. قد حدد في إحدى تحدياته الأساسية " الحماية من الآثار الاجتماعية للتقلبات المناخية، في إطار متطلبات التنمية المستدامة، وذلك عبر آليات دعم عمومي ملائم. أما التجربة الثانية فتتمثل في كون الإستراتيجية المرحلية لعمل مجلس المستشارين للفترة الممتدة من 2015 إلى 2017 تحدد كهدف ثالث لها "جعل مجلس المستشارين فضاء للحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي لاسيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور وتحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و البيئية." ، ويندرج تنظيم الملتقى البرلماني للجهات في مطلع الشهر القادم ضمن تحقيق هذا الهدف.
وختاما، اسمحوا لي حضرات السيدات والسادة المحترمين،بأن أفصح عن أملي في أن تفضي أشغال هذا الاجتماع الموسع لمكتب الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط إلى توحيد الرؤى وتحقيق التقائية أكبر في وجهات النظر إزاء القضايا الأمنية والتنموية المشتركة، على أساس روح الشراكة المتعددة الأطراف، بغية تحقيق الهدف العام المتمثل في تحويل حوض البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة للحوار والتبادل والتعاون بما يضمن السلام والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة.
وأجدد التأكيد، من هذا المنبر، على دعم مجلس المستشارين المغربي لكل المبادرات والجهود التي تبذلها الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط في خدمة التنمية والأمن والسلام في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وشكرا على حسن إصغائكم.