تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة السيد رئيس مجلس المستشارين_الجمعية 135 للاتحاد البرلماني الدولي_23-27 أكتوبر 2016

2016-10-25

جنيف، 23-27 أكتوبر 2016

 
 
 
 
 

السيد الرئيس،

السيدات والسادة البرلمانيين،

حضرات السيدات والسادة،

 

اسمحوا لي في بداية هذه المداخلة التنويه بهذه المبادرة وبالاهتمام المتواصل لاتحادنا البرلماني بقضايا حقوق الإنسان، وأود وأنا بصدد تقديم وجهة نظر الشعبة البرلمانية المغربية بخصوص هذا الموضوع أن أثير الانتباه من الناحية المنهجية إلى أن الموضوع نفسه يقع على تقاطع الأدوار الدستورية والسياسية للبرلمانات والتدخل الوقائي والاستباقي للحماية من انتهاكات حقوق الإنسان بوصف هذا التدخل عاملا وقائيا من النزاعات.

وبطرح الإشكالية من هذا المنظور، فإن إحدى أطر القراءة الأكثر فعالية لتقديم عناصر إجابة عنها تتمثل في استحضار الخصائص الخمس للمبادئ الديمقراطية للبرلمانات كما حددها الاتحاد البرلماني الدولي وهي: التمثيلية بأبعادها التعددية، والشفافية، والولوجية، والمساءلة والفعالية. وتمثل هذه الخصائص من منظورنا قاسما مشتركا بين البرلمانات وعابرة لتعدد وتنوع اختصاصاتها ووظائفها الدستورية.

كما ينبغي استحضار ما اعتمدته الجمعية البرلمانية للاتحاد البرلماني الدولي من قرارات تتعلق بالاستجابة الوقائية والاستباقية للبرلمانات في حالات انتهاك حقوق الإنسان المؤدية إلى النزاعات، و يمكن في هذا الصدد التذكير ببعض القرارات التي همت على سبيل المثال لا الحصر، مكافحة الإرهاب من منظور الديمقراطية وحقوق الإنسان، وموضوع السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من منظور حقوق الإنسان، وكذا مكافحة الاتجار بالبشر ومعاداة الأجانب، بوصفها إحدى مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان.

غير أن إحدى القرارات الأكثر أهمية من حيث تقديمها لعناصر منظور متكامل  لدور البرلمان في الاستجابة بسرعة عندما تنذر انتهاكات حقوق الإنسان بحدوث نزاع، يبقى قرار الجمعية البرلمانية 110 للاتحاد البرلماني الدولي بتاريخ 23 أبريل 2004 حول تعميق الديمقراطية البرلمانية من أجل حماية حقوق الإنسان وتشجيع المصالحة بين الشعوب والشراكات بين الأمم.

وجدير بالذكر، أن تصدير دستور بلادنا الذي يشكل جزءا لا يتجزأ منه، يكرس التزام الدولة المغربية ب"حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛" وكذا "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة." ومن البديهي أن هذه الالتزامات تتحملها مختلف السلط الدستورية في ممارسة مختلف وظائفها ومهامها الدستورية، بما في ذلك البرلمان الذي أناط به الفصل 70 من الدستور ممارسة السلطة التشريعية والتصويت على القوانين ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية. ويتضح إذن أن مقتضيات الدستور ترسي أساسا معياريا لممارسة العمل البرلماني في مختلف وظائفه من منظور حقوق الإنسان.

ولقد تم تكريس هذا المنحى في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، وعلى سبيل المثال فإن النظام الداخلي لمجلس المستشارين يتضمن مقتضيات خاصة بعلاقة المجلس بمؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية وهي المواد 281 إلى 284 من النظام الداخلي المذكور، والتي تتيح لرئيس مجلس المستشارين، بناء على قرار المكتب أو طلب رئيس فريق أو لجنة دائمة، أن يحيل على المؤسسات والهيئات الدستورية بما فيها، على سبيل المثال لا الحصر، المجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط، طلب الاستشارة وإبداء الرأي بخصوص مشاريع القوانين أو الاتفاقيات الدولية وكذا مقترحات القوانين المعروضة على المجلس.

وبالنظر إلى أن مهمة حماية حقوق الإنسان تتضمن أيضا الجانب الوقائي، وعلى مستوى العلاقات بين مؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها والبرلمانات، فتجدر الإشارة إلى أن برلمان بلادنا يعتبر أحد البرلمانات القليلة التي سلكت سبيل مأسسة هذه العلاقة، ذلك أن مجلسي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) والمجلس الوطني لحقوق الإنسان قد استندوا،كل في مجال اختصاصه، على النقطتين  20 و 22 من مبادئ بلغراد من أجل توقيع مذكرة تفاهم، بتاريخ 10 ديسمبر 2014، حددت كهدف استراتيجي مشترك لها "التعاون والعمل على اعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان في مجالات التشريع ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية ". ويشمل نطاق هذا التعاون  مجال حماية حقوق الإنسان سيما عبر إعمال وظائف مراقبة البرلمان لعمل الحكومة.

وبغية تقوية دور البرلمان في هذا المجال، وتبعا للموقع المؤسساتي لمجلس المستشارين كغرفة برلمانية تتميز بتعدد التخصصات والتمثيليات الترابية والمهنية والنقابية، وتترجم بدقة تطلعات المجالات الترابية والفاعلين المهنيين والنقابيين والمدنيين بشأن قضايا حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وأسئلة العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، لارتباطها الوثيق بالولوج إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، اعتمد مجلس المستشارين إستراتيجية عمل للفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 تتضمن عددا من الإجراءات الأساسية ذات الصلة المباشرة بالاعتبار الأفقي لمقاربة حقوق الإنسان، ومن بين أهم هذه الإجراءات:

  • تقوية الإطار التقني والمؤسساتي لدراسة مشاريع ومقترحات القوانين من منظور ملاءمته مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها، وذلك على ضوء الملاحظات الختامية الموجهة إلى بلادنا من طرف هيئات المعاهدات وكذا التوصيات الموجهة إلى بلادنا من طرف أصحاب الولايات برسم المساطر الخاصة وفي إطار الاستعراض الدوري الشامل؛

  • وضع إطار منهجي لاعتبار مقاربة النوع في ممارسة مختلف الأدوار الدستورية لمجلس المستشارين؛

  • تنظيم فضاءات للحوار  العمومي والنقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور وتحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛

  • وضع إطار مؤسساتي متكامل لآليات ممارسة الديمقراطية التشاركية والمشاركة المواطنة في مجال اختصاص المجلس ولاسيما عبر الحق في تقديم العرائض وملتمسات التشريع؛

  • إحداث وحدة خاصة بالدعم التقني على مستوى الإدارة البرلمانية في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الاتفاقية لبلادنا.

وباستقراء التجربة المغربية في تدبير إرث الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان عبر هيئة الإنصاف والمصالحة كآلية للعدالة الانتقالية والتدبير السلمي للنزاعات، يتبين أن انتهاكات حقوق الإنسان غالبا ما تترتب عن نزاعات ذات طبيعة اجتماعية وعدم تلبية مطالب فئات اجتماعية أو فشل آليات الوساطة المجتمعية.

لذا بادرنا إلى اقتراح إطار أوسع للمعالجة وبكيفية استباقية، عبر النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية والانكباب على وضع الإطار التنفيذي لأهداف التنمية المستدامة، في أفق تقديم عناصر أجوبة واضحة على التحديات المتعلقة بالتضامن في كل أبعاده، وبإقرار المساواة الفعلية بين الرجال والنساء، وبتوسيع مساحات إعمال قيم الإنصاف وتكافؤ الفرص، وبجعل النمو الاقتصادي في خدمة العدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي والإدماج ومكافحة الفقر، وكذا بتقوية المكتسبات الوطنية في مجالات الحوار الاجتماعي والديمقراطية التشاركية.

فضلا عما سلف، يجدر التذكير بالإمكانات القانونية المتاحة لمجلسنا وخاصة من حيث مأسسة آلية خاصة بحقوق الإنسان عبر التنصيص على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين والتي يتأتى لها دستوريا وقانونيا :

  • الدراسة والمصادقة على التشريعات المرتبطة بحقوق الإنسان؛

  • تحليل وتقييم السياسات العمومية في مجال حقوق الإنسان؛

  • تنظيم ندوات وموائد مستديرة تشارك فيها المؤسسات الوطنية المستقلة ذات الولاية في مجال حقوق الإنسان، وكذا منظمات المجتمع المدني، قصد الخروج بتوصيات واقتراحات لإغناء التشريعات الوطنية وجعلها متلائمة مع المعايير الحقوقية الدولية المصادق عليها من طرف المغرب؛

  • توجيه طلبات الرأي عبر رئيس مجلس المستشارين إلى المجالس والمؤسسات الوطنية المستقلة التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان.

وبالرغم من كونها لا تتوفر على اختصاص للتحقيق المستقل في القضايا التي يشتبه أنها موضوع خرق لحقوق الإنسان، فإن لها الحق أن تتحرك لاستدعاء الوزير المعني للأجوبة على تساؤلات أعضائها في الموضوع، كما أنها تتوفر على إمكانية القيام بمهام استطلاعية عند الاقتضاء.

إلى جانب هذه الآلية، تتعين الإشارة إلى الصلاحيات الاستطلاعية والتحقيق والتقصي التي تمارسها اللجان النيابية لتقصي الحقائق، التي تتوفر على اختصاصات ضبطية تحت طائلة عقوبات زجرية في حق الممتنعين عن الاستجابة لطلباتها، ويناقش تقريرها على مستوى الجلسة العامة، ويحال على القضاء عند الاقتضاء؛ مما يتيح إمكانية حقيقية للإنذار المبكر والتدخل الاستباقي قبل حدوث النزاع أو في حالة خرق حق من حقوق الإنسان.

وفي الختام أود أن أقدم باسم الشعبة المغربية ست توصيات لتعزيز التحمل البرلماني في مجال حماية حقوق الإنسان والوقاية من الانتهاكات:

  1. العمل باعتبار تنوع الأنظمة الدستورية واختصاصات البرلمانات على إحداث لجان برلمان متخصصة في قضايا حقوق الإنسان تختص برصد وتتبع وضع حقوق الإنسان مع تمكينها من الآليات المؤسساتية والتقنية الضرورية للتحري بشأن وضع حقوق الإنسان في إطار إعمال وظيفة المراقبة البرلمانية.كما نوصي بأن تخول لهذه اللجان دراسة وتتبع وتقييم ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع الالتزامات الاتفاقية لكل بلد بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان وكذا الإشراف على التقييم البرلماني للسياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان؛  

  2. العمل باعتبار تنوع الأنظمة الدستورية واختصاصات البرلمانات في أنظمة الثنائية المجلسية على التنسيق بين غرفتي البرلمان فيما يتعلق بعمل اللجان البرلمانية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان؛

  3. دعم قدرات الإدارة البرلمانية في مجال آليات الإنذار المسبق alerte précoce والتحري والتقرير reporting  المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان؛

  4. العمل باعتبار تنوع الأنظمة الدستورية واختصاصات البرلمانات على تطوير الأنظمة الداخلية للبرلمانات من أجل إحداث منظومة للوساطة والتدخل الاستباقي للبرلمان في الحالات والوضعيات التي يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات ممنهجة أو جماعية لحقوق الإنسان؛

  5. تعميم إعمال مبادئ بلغراد حول العلاقة بين البرلمانات الوطنية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ، عبر آليات مؤسساتية ملائمة تبعا للنظام الدستوري لكل بلد بما يضمن تعاونا مستديما بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان و البرلمانات؛

  6. تعبئة المساهمة التقنية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان وباقي الوكالات الأممية المتخصصة والاتحاد البرلماني الدولي في هذا الصدد.

 

وشكرا على حسن المتابعة والإصغاء.