أيتها السيدات و السادة،
يشرفني أن أساهم باسم مجلس المستشارين في هذه الجلسة الافتتاحية عبر تقاسم مجموعة من الآراء و المقترحات التي أود عرضها عليكم للمناقشة خلال أشغال هذه الندوة البرلمانية مستثمرا نافذة فرص استثنائية، حيث يلتقي في هذه الندوة المشرعون و الحكومة و المؤسسات الدستورية ذات الدور الاستشاري والخبراء الدوليون و الوطنيون و المجتمع المدني، للتداول في المداخل و السبل الممكنة من أجل إطلاق مسار ملاءمة الإطار القانوني الوطني مع مضامين اتفاق باريس.
وبالنظر لنافذة الفرص هذه، فإن ما سأقترحه من عناصر للنقاش لن يندرج أبدا في المنطق البروتوكولي المتوقع نهجه عادة في مداخلة الجلسات الافتتاحية، بقدر ما يمثل مساهمة متواضعة في تقريب المشاركات و المشاركين من الرهانات المنهجية و البرنامجية المتعلقة بهذه الندوة البرلمانية.
ذلك أن هذه الندوة تمثل أولى الخطوات الرسمية في مسار أجرأة خطة العمل البرلمانية حول التغيرات المناخية المعنونة : " تكثيف عمل البرلمانات والاتحاد البرلماني الدولي في المجال المناخي، و التي اعتمدها المجلس المديري للاتحاد البرلماني الدولي خلال دورته 198 المنعقدة بلوساكا بتاريخ 23 مارس 2016 ، وخاصة نتائجه المنتظرة و مجالات العمل 1، 3، و 4 الخاصة بالبرلمانات الوطنية والتي تهم على التوالي ملاءمة التشريع الوطني مع أهداف اتفاق باريس في مجالات التقليص والتكيف ، و تقوية إطار مراقبة العمل الحكومي في مجال إعمال الالتزامات الناتجة عن اتفاق باريس و تحسين التناسق و التكامل بين الإطار التشريعي الوطني في مجال مكافحة آثار التغيرات المناخية و باقي الأهداف الاجتماعية كتخفيض نسب الفقرة و الحد من مخاطر الكوارث وتحسين الولوج للطاقة والمساواة بين الجنسين وحماية الأنظمة الإيكولوجية.
أيتها السيدات و السادة ،
إن انعقاد هذه الندوة البرلمانية يندرج في سياق مؤسساتي وعملي جد مساعد على البدء في إعمال البرلمان بمجلسيه خطة العمل البرلمانية حول التغيرات المناخية للاتحاد البرلماني الدولي.
فمن جهة أولى أوجد مجلس المستشارين بيئة برنامجية لإعمال هذه الخطة بالنظر إلى أن خطة العمل الاستراتيجية لمجلس المستشارين برسم الفترة 2015-2018 تتضمن إجراءات تشكل في ذاتها رافعات leviers لإعمال خطة العمل البرلمانية حول التغيرات المناخية للاتحاد البرلماني الدولي ومن ذلك الإجراءات المتعلقة بدراسة المشاريع من منظور ملاءمته مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها ، وكذا وضع إطار منهجي و مؤسساتي لتقييم السياسات العمومية الأفقية و القطاعية والترابية في تكامل مع عمل مجلس النواب في هذا الصدد. كما ينبغي في الآن استحضار هدفين على الأقل من خطة العمل الاستراتيجية لمجلس المستشارين و هما الهدف الثالث الذي ينص على جعل مجلس المستشارين فضاء للحوار العمومي و النقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور و تحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق البيئية، علما أن الفصل 31 من الدستور يكرس الالتزام الإيجابي للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، بالعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في التنمية المستدامة. و ضمن نفس المنطق فإن الهدف الخامس من خطة العمل الاستراتيجية لمجلس المستشارين تنص على وضع إطار مؤسساتي متكامل لآليات ممارسة الديمقراطية التشاركية في مجال اختصاص المجلس، علما أن تحقيق هذه الإجراءات و الأهداف جميعها ترتكز على معطى بنيوي أساسي يتمثل في تعددية التخصصات و التمثيليات الترابية و المهنية و النقابية بالمجلس.
ومن جهة ثانية فإن انعقاد الدورة 22 لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطار حول تغير المناخ بمراكش ، واجتماع أجهزة الاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد البرلماني الإفريقي من أجل تحديد أهداف عملية تتعلق بتفعيل أدوار البرلمانات في مجال إعمال الالتزامات الناتجة عن اتفاق باريس، وانعقاد قمة إفريقيا للعمل في إطار الدورة 22 نفسها و الرئاسة المغربية للدورة 22 هي كلها حوافز وموجهات تنيط ببرلمان بلادنا مسؤولية تقديم المثل l’exemple في مجال وضع الإطار المؤسساتي و المنهجي الملائم لإعمال الالتزامات المترتبة عن اتفاق باريس.
ومن جهة ثالثة فإن سياق مراجعة النظامين الداخليين لمجلس المستشارين و مجلس النواب من شأنه أن يساعد على وضع إطار مجدد لدراسة أثر التشريعات ذات العلاقة بالتغيرات المناخية و وضع حلول مبتكرة لآليات مراقبة العمل الحكومي و تقييم السياسات العمومية ذات العلاقة بإعمال الالتزامات المترتبة عن اتفاق باريس ووضه آليات الديمقراطية التشاركية و استشارة العموم في مختلف القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية و الحقوق البيئية و الحق في التنمية المستدامة.
ومن جهة رابعة يتوفر مجلس المستشارين على شراكات قوية مع المؤسسات الدستورية ذات الطابع الاستشاري كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان و المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي علاوة على شركاء الدوليين كمؤسسة وستمنستر للديمقراطية التي استطاعت تعبئة معهد Grantham للبحث التابع لمدرسة لندن للاقتصاد الذي يعتبر مركز خبرة متميز على المستوى الدولي في مجال التشريع المناخي المقارن و من ثم فإن رأسمال مجلسنا من الشركاء يشكل عاملا جد مساعد على وضع خطة عمل وطنية على قاعدة خطة العمل البرلمانية حول التغيرات المناخية للاتحاد البرلماني الدولي.
وتجدر الإشارة أيضا إلى عامل خامس آخر مساعد يتمثل في الترابط المنهجي بين تفكير و عمل مجلس المستشارين على أوراش العدالة الاجتماعية و تحقيق أهداف التنمية المستدامة و أدوار الجماعات الترابية من جهة و عمل المجلس على ملاءمة التشريعات الوطنية مع مضامين اتفاق باريس، ذلك أن التقاء هذه الأجندات لا يشكل فقط تجربة فريدة في العمل البرلماني المقارن و إنما يمثل أيضا أساسا منهجيا سليما لتحقيق جميع الأهداف المترابطة وغير القابلة للتجزيئ والمتوخاة من هذه المسارات جميعها.
أيتها السيدات و السادة،
إني أتوقع باسمي الخاص و باسم زميلاتي و زملائي في مكتب مجلس المستشارين بشكل خاص أن تترتب عن هذه الندوة توصيات و خلاصات تساهم في إغناء و تطوير مشروع وثيقة خطة العمل بشأن ملاءمة التشريعات الوطنية مع مضامين اتفاق باريس حول التغيرات المناخية، علما أن هذه الخطة تقوم على عدد من الفرضيات يتوقف تحقيق جزء منها على تجاوب الحكومة المقبلة من جهة و على وثيرة و إيقاع الإنتاج التشريعي من جهة ثانية، علما أن التعاون بين مجلسي البرلمان في ورش الملاءمة لا يمكن اعتباره فرضية بل هو أمر مسلم به postulat un. ذلك أن خطة العمل الوطنية التي نساهم اليوم عبر الندوة البرلمانية في تطويرها ستكون منتوجنا البرلماني الذي سنقدمه إلى الدورة 136 للجمعية البرلمانية للاتحاد البرلماني الدولي التي ستنعقد بداكا (بنغلاديش) من فاتح إلى 5أبريل 2017.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف المنهجي فإني أقترح عليكم بشكل خاص التفكير في كيفيات استدراك التأخر الحاصل في النتيجة المتوخاة الأولى من خطة العمل البرلمانية التي كان يجب بلوغها في نهاية 2016 اي تحليل الترسانة التشريعية
الوطنية المتعلقة بالتغيرات المناخية و تقييم مدى ملاءمتها مع اتفاق باريس والأهداف ذات الصلة مع اتفاق سينداي و أهداف التنمية المستدامة.
وبالنظر لغنى و تنوع مجال التشريعات البيئية و اتساع مجال التشريعات المعنية بمجال التقليص و التكيف فإن مقاربة واقعية قابلة للبرمجة و لقياس الأهداف، و القابلية للاستشراف الزمني يقتضي من وجهة نظري الانطلاق من اعتبار المساهمة المحددة وطنيا Contribution déterminée au niveau national المقدمة من طرف المغرب بمقتضى الفقرتين 2 و 3 من المادة 4 من اتفاق باريس هي أساس تحديد أولويات خطة العمل في مجال ملاءمة الإطار التشريعي الوطني مع مقتضيات اتفاق باريس، و يترتب عن ذلك، إطلاق مسار للتفكير في كيفيات اعتماد تحديد أولي للنصوص القانونية التي يتعين تعديل بعض مقتضياتها بالأولوية و التي يمكن أن تشكل على المديين القصير و المتوسط رافعة لإعمال التزامات المغرب الواردة في المساهمة المحددة وطنيا في مجالي التقليص atténuation و التكيف adaptation .
وضمن نفس المنطق لا ينبغي إغفال التمييز بين مجال القانون و المجال التنظيمي و كذا التمييز بين مجالات الاختصاصات الذاتية و المشتركة و المنقولة للجهات كما هي محددة في القانون التنظيمي . 111.14 المتعلق بالجهات.
تلكم أيتها السيدات والسادة، بعض المداخل السياقية و المنهجية التي أردت التذكير بها في مداخلتي الافتتاحية وإني على يقين من أن مجلس المستشارين سيستثمر أقصى استثمار فرصة تنوع المواقع المؤسساتية ومقاربات المشاركات والمشاركين في هذه الندوة البرلمانية من أجل تحقيق الهدف المنهجي الذي ذكرت به.
وشكرا على حسن الإصغاء.