تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة رئيس مجلس المستشارين في لقاء مفتوح مع طلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ سلا

2017-10-06

بسم الله الرحمان الرحيم

 

تعتبر المؤسسة البرلمانية الشاهد الحي على التطور الحاصل في النسق الدستوري المغربي، إذ إن النظام البرلماني القائم دستوريا حاليا هو نتاج تراكمات فرضتها سيّاقات وطنية مرحلية، والتي تندرج في إطار البناء عن طريق التدرج التاريخي، ممّا أفضى اليوم دستوريا إلى ترسيخ أسس نظام برلماني حديث بثنائية مجلسية.

بالفعل، فدستور 2011 عزّز من المكانة السامقة للمؤسسة البرلمانية داخل الهندسة الدستورية المؤسساتية، وقوّى من صلاحياتها التشريعية والرقابية والدبلوماسية، ومكّنها من مختلف الوسائل والآليات القانونية التي تسمح للفاعل البرلماني بمجلس النواب ومجلس المستشارين بمباشرة اختصاصاته الدستورية المستمدة من تمثيليته للأمة (الفصل 2 من الدستور) وفق متطلبات الحكامة والجودة، للإسهام الحقيقي في التأثير الإيجابي في مختلف تجليّات الفعل العمومي.

وكان لزاما على البرلمان بمجلسيه أن يتحمل مسؤوليته التاريخية، وينخرط في عملية التأمل والتفكير المعمق، ويبادر إلى التفكيك الدقيق للفلسفة الدستورية المؤطرة للعمل البرلماني، من أجل التأسيس لنموذج عمل برلماني يتمظهر كمرجع أساس للولايات التشريعية الموالية، ويتشكل كمرآة تعكس قدرة العقل البرلماني الجماعي على الاستثمار الأمثل والأنجع للمكتسبات الدستورية.  

وبعد ما يقارب من ست سنوات من الممارسة البرلمانية في ضوء المرجعيات القانونية الجديدة المؤطرة للعمل البرلماني، وما شهدته هذه المرحلة من ثورة في مجال تقوية دعائم سلطات المؤسسة التشريعية، من المفيد الوقوف وقفة تأمل وتقييم بغية الاستخلاص العلمي للعناصر التي يتعين استغلالها من أجل تطوير المشهد البرلماني، وتحصين الديمقراطية التمثيلية ببلادنا.

وهذه المداخلة العلمية لن يغلب عليها الطابع النظري المحض، وإنما ستكون محاولة عملية لقراءة التجربة البرلمانية من الداخل، في إطار الإسهام في إغناء القانون البرلماني المغربي الذي يعتبر قانونا يكتسب بالممارسة لغلبة صبغته المسطرية.

ومن هذا المنطلق، سنعمل على ملامسة موضوع المحاضرة من خلال المستويات التالية:

  • المحور الأول: المستوى التشريعي؛

  • المحور الثاني: المستوى الرقابي؛

  • المحور الثالث: على مستوى التواصل والانفتاح.

 

المحور الأول: المستوى التشريعي

يمتلك البرلمان المغربي سلطة تشريعية واسعة، وقد جاء دستور 2011 ليعزز من هذه السلطة، بحيث انتقل مجال القانون من 30 مادة في ظل دستور 1996 إلى ما يفوق 60 مادة في ظل الدستور الحالي (الفصل 71)، كما نظم النظامان الداخليان لمجلسي البرلمان بشكل مستفيض وعقلاني مسطرة إقرار النصوص التشريعية من الإيداع إلى المصادقة عليها في الجلسة العامة وضوابط تداولها بين الغرفتين.

والعمل التشريعي هو أسّ العمل البرلماني، وتطوير الأداء التشريعي كما ونوعا ظلّ على الدوام رهانا حقيقيا لدى كل الفاعلين والأكاديميين والمهتمين بالشأن البرلماني، لكي تتوفر لدى النائب أو المستشار كل الوسائل والإمكانيات التي تسمح له بالمشاركة الفعالة في ترسيخ متطلبات الجودة التشريعية.

ولقد أبرزت الممارسة التشريعية البرلمانية وجود جملة من التحديات البنيوية التي وضع في شأنها مجلس المستشارين مخططا لتأهيل أدائه يمتد من 2016 إلى غاية 2018، ويستقي مرتكزاته من الدستور والنصوص المكمّلة له، ومن التوجيهات الملكية السامية، واجتهادات القضاء الدستوري، والممارسات البرلمانية الفضلى، وتتجلى خطوطه العريضة في:

  1. استكمال اعتماد القوانين التنظيمية المتعلقة بتنزيل الدستور بتعاون مع الحكومة في ظل احترام مبدأ التوازن بين السلط وتعاونها، وهي القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبالمجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية وبالإضراب، وبالدفع بعدم دستورية القوانين المحال حاليا على مجلس المستشارين، بالإضافة إلى قوانين هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهي: المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط ومجلس الجالية المغربية بالخارج، علما بأن القانون المتعلق بالمؤسسة الحقوقية الرابعة الخاص بالهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز قد تمت المصادقة عليه نهائيا من قبل مجلسي البرلمان في الدورة الماضية، وقد أصبح جاهزا للنشر في الجريدة الرسمية بعدما أقرّت المحكمة الدستورية بأنه لا يوجد في مقتضياته ما يخالف أحكام الدستور.

  2. المراجعة الشاملة للنظام الداخلي لمجلس المستشارين بغاية سن آليات ومنظومات قانونية تسمح بعقلنة وتجويد الفعل التشريعي، من منطلق ضرورة تفصيل بعض المستجدات الدستورية من قبيل مساطر دراسة الملتمسات والعرائض، والملاءمة مع المقتضيات الجديدة لعدد من القوانين التنظيمية، بالإضافة إلى الرغبة في تقنين التراكمات الايجابية الناجمة عن الممارسة ومعالجة بعض الثغرات التي أبانت عنها.

  3. الاستثمار الأمثل لتنوع تركيبة مجلس المستشارين بروافدها المختلفة، وذلك لخدمة القضايا التشريعية المطروحة على المجلس، من خلال إدماج العمل التشريعي في صلب الأولويات الوطنية ذات الأبعاد السياسية والمجالية والاقتصادية والاجتماعية.

  4. عقلنة وحسن تدبير الزمن التشريعي عبر اعتماد الآليات التي ستسمح للفاعل البرلماني ببلورة اختصاصه التشريعي باستحضار مرجعيتي السرعة في العمل والجودة في المخرجات.

  5. تعزيز المكانة العملية للمبادرة التشريعية لأعضاء المجلس سواء من حيث الكم أو النوع، في أفق التنظيم، المبني على المرونة والاسترسال، للجلسة الشهرية المخصصة لمقترحات القوانين انطلاقا من الدورة التشريعية المقبلة، عملا بأحكام الفصل 82من الدستور.

  6. تبسيط المساطر التشريعية لجميع الفاعلين على مستوى المجلس من مدخل اعتماد دلائل مسطرية ودلائل للصياغة القانونية.

  7. دراسة الأثر التشريعي للنصوص القانونية عبر إحداث خلية للرصد والمواكبة يناط بها عملية تحديد المجالات التي تعاني مشكلتي الفراغ والتضخم التشريعيين، وفي هذا الصدد من الممكن رصد المحاور ذات الأولوية انطلاقا من أحكام الدستور، والخطب الملكية، وتقارير المؤسسات الدستورية، وخلاصات جلسات تقييم السياسات العمومية، والعمل القضائي خاصة لمحكمة النقض، وهو ما سيساهم لا محالة في تأمين التشريع الوطني. وقد تنبهت الحكومة لذلك في الآونة الأخيرة فأحدثت لجنة عليا لتدوين وتحيين التشريعات.

  8. تسهيل دراسة مشروع قانون المالية، بغاية تيسير التعامل مع الوثيقة التي يقدم فيها، وجعلها أكثر شفافية وأسهل على مستوى المقروئية والتعديل من قبل البرلمان، بالتركيز على تكوينات مركّزة في مجالي الضرائب والجمارك،وشرح تقنية التأهيل البرلماني الذي يلجأ إليه بكثرة في قانون المالية.

  9. تبني مقاربة تشاركية فعالة مع المتدخلين في العملية التشريعية، عبر إحداث منتدى الكتروني لتلقي آراء واقتراحات المواطنين حول النصوص قيد الدرس والتشريعات المغربية الجاري بها العمل،وللاستشارة مع العموم حول قضايا الساعة بوضع استبيانات في الموقع الالكتروني، ودعوة الفاعلين المجتمعيين إلى الجواب على الأسئلة الواردة فيها، لاستيقاء المعطيات المناسبة منها،بالإضافة إلى تكوين سجل الكتروني لقيد الجمعيات المتخصصة في مناحي الحياة المختلفة وبأسماء الناطقين باسمها، لدعوتها للمساهمة عند الحاجة في المناقشة أو الإدلاء بآرائها حول القضايا موضوع الدرس بمجلس المستشارين.

  10. تعزيز ملاءمة التشريع الوطني مع المواثيق الدولية،عبر حصر الترسانة القانونية التي تستوجب التحيين والملاءمة، بغاية إدماج البعد الحقوقي في العملية التشريعية للمجلس، حرصا على ملاءمة المخرجات التشريعية مع المعايير الحقوقية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، وبصفة خاصة مع أهداف التنمية المستدامة.

  11. تعزيز مستوى الحضور في أشغال اللجان والجلسات العامة من مدخل تحسين ظروف اشتغال السيدات والسادة أعضاء المجلس.

  12. مواصلة تعبئة الدور الاستشاري لمختلف المؤسسات الدستورية عبر طلب آراء استشارية منها، على أساس أنه خيار إستراتيجي لا محيد عنه يضمن من جهة أولى تقوية البناء المؤسساتي الوطني القائم على التعاون، ومن جهة ثانية يمثل أرضية لخلق نقاش مؤسساتي – مجتمعي حول القضايا التشريعية المحورية، ليسهم العقل الجماعي الوطني في إخراج نصوص قانونية تتميز بالجودة وتحظى بحد أدنى من القبول الجماعي.

  13. تطوير آليات التعاطي مع المؤسسات الدستورية عبر رصد  مدى نجاعة الآراء  الاستشارية  المحالة على المجلس، ومن خلال مناقشة تقاريرها طبقا لأحكام الفصلين 148 و160، إذ لامناص عند استكمال البناء المؤسساتي الوطني -الذي يضم 11 مجلسا وهيئة يتعين مناقشة تقاريرها أمام البرلمان- من جدولة زمنية قبلية للمناقشة على امتداد الدورتين الأولى والثانية، بالاتفاق مع الحكومة ومجلس النواب، في إطار من التكامل لتلافي تكرار دراسة نفس المواضيع ومع نفس الوزراء، مع إجراء تقييم سنوي للجلسات المخصصة للمناقشة وقيّاس آثارها على أداء وجودة العمل  التشريعي والرقابي للمجلس.

  14. تأهيل  ودعم الكفاءات التي يزخر بها المجلس، لتساير كما ونوعا مختلف التحديات والرهانات والأوراش الكبرى التي انخرطت فيها المؤسسة البرلمانية.  

وارتباطا بالجوانب التأسيسية التي فرضتها طبيعة هذه المرحلة البرلمانية، تجدر الإشارة إلى بعض المكتسبات المحقّقة لمجلس المستشارين بما مكّن من التعزيز العملي لمكانته الدستورية، ويأتي على رأسها تبيان القضاء الدستوري لحدود إعمال سلطة البت النهائي من طرف مجلس النواب، بحصر نطاق تطبيقها في المواد التي لم يتفق بشأنها على نص موحد؛ وإعطاء مجلس المستشارين الحق في القراءة الثانية للنصوص المودعة لديه بالأسبقية، بعدما كان تيار في مجلس النواب يجزم بعدم أحقية الغرفة الثانية بهذا الحق.

 

المحور الثاني: المستوى الرقابي

خوّل الدستور صلاحيات رقابية للمؤسسة البرلمانية تسمح لها بتتبع وتقييم الأداء الحكومي، والإسهام، مع باقي مؤسسات الرقابة الدستورية، في تقويم السياسات العمومية، خدمة للتوجه التنموي لبلادنا.

وما يميز آليات الرقابة البرلمانية أنها تحظى على العموم بمواكبة مجتمعية إعلامية، على أساس أنها تنبني على خاصية التفاعل البرلماني- الحكومي، والحوار المباشر المبني على الحجج والأرقام.

ومن المفترض أن يشكل الفعل الرقابي لأعضاء المجلس مجالا خصبا يبرز الأداء البرلماني الرامي إلى تحقيق الصالح العام وتقويم السياسات العمومية والرفع من وثيرة خدمة المواطنين، إلا أن إكراهات قانونية ترتبط بالنصوص المؤطرة لطبيعة العلاقة بين الحكومة والبرلمان المبنية على التوازن، والتي تقيّد من هوامش حركة البرلماني في بلوغ الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، لعدم توفره على المعطيات الكافية لممارسة دوره الرقابي، أو لالتزامه السياسي الذي يفرض عليه عدم تجاوز حدود معينة، فضلا عن اشتراط الحصول على أنصبة معينة أو موافقة الحكومة لاستعمال بعض الآليات الرقابية ذات التأثير على عملها التدبيري.

وبناء على ما سبق، تعتبر الأسئلة الشفوية والكتابية الوسيلة الرقابية الأكثر تداولا، بالنظر لسهولة إجراءاتها المسطرية، وعدم إثارتها للمسؤولية السياسية للحكومة، ومن الممكن أن تكون هذه الآلية الرقابية موعدا حقيقيا للنقاش الجاد والهادف، خاصة بالنسبة لجلسات مساءلة رئيس الحكومة، لكن هذه الآلية تعرف جملة من الإكراهات، ولعل أهمها:

- روتينية الأسئلة المقدمة (التكرار/ جاذبية محدودة في المواضيع والقضايا المطروحة / مقدمات طويلة وعرض لإضافات خارجة عن الموضوع)؛

- إيثار البعد المحلي على الوطني في مضامين الأسئلة الشفوية (البعد الانتخابي في طرح الأسئلة)؛

- تواتر الطريقة الكلاسيكية في بناء هيكلة السؤال (الكتابي/ الشفوي).

- ضعف التنسيق بين الفرق والمجموعات في مضامين الأسئلة وتوزيعها حسب القطاعات الحكومية؛

- تفاعل متباين للبرلمانيين مع الحكومة، بين مستعرض لمنجزاتها، وراغب في إحراجها.

وتماشيا مع التطلع نحو تطوير الفعل الرقابي للمؤسسة البرلمانية، يمكن استحضار العناصر التالية:

  1. الاستغلال المتكافئ لجميع أدوات الرقابة المتاحة لأعضاء مجلسي البرلمان، لأن الممارسة البرلمانية تثبت، كما أكدنا آنفا، أن الأسئلة تعتبر الأداة الأكثر استعمالا لما يواكبها من متابعة وتسويق إعلامي؛

  2. إقرار نوع من التنوع في جلسات الأسئلة بصفة عامة، ولاسيما الجلسات الشهرية التي يجيب فيها السيد رئيس الحكومة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، ولا بد من الإشارة إلى تفضيل المجلس لخيار الأسئلة الشفهية التي تليها مناقشة،وهو بما يسمح بمعالجة مواضيع ذات راهنية وأفقية من منطلق مبدأ الشمولية؛ وهو الأمر الذي خلصت إليه الجلسة التقييمية لمكتب المجلس وندوة الرؤساء للجلسات الشهرية؛

  3. اعتماد إستراتيجية مندمجة تكاملية داخل الفعل الرقابي للمجلس، بحيث يتم ربط الأسئلة مع المبادرات البرلمانية الأخرى في إطار مهمتي التشريع والمراقبة والتقييم، مع التدرج في استعمال وسائل المراقبة من خلال برمجة ملف معين أولا في سؤال شفهي، يعقبه اجتماع اللجنة المعنية للتوسع في مناقشة الموضوع، ثم تنظيم مهمة استطلاعية حوله، لينتهي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق (مثال كل من مكتب التسويق والتصدير والصندوق المغربي للتقاعد على إثر مناقشة مشاريع حكومية حول المؤسستين)؛

  4. متابعة تطبيق التزامات وتعهدات أعضاء الحكومة بناء على المعطيات الموفرة من لدن آلية الرصد المكلفة من لدن المكتب لفائدة الفرق والمجموعات بالمجلس، علما بأن مشروع النظام الداخلي للمجلس عمل على تقنين هذه الآلية ووضع قنوات لتتبعها؛ بالإضافة إلى تقويته للدور الرقابي للجان الدائمة عبر تكريس حقها في طلب الوثائق من القطاعات الحكومية، والتوسع في شرح مساطر القيام بالمهام الاستطلاعية وإعداد تقاريرها، والتنصيص على حقها في الاستماع لمرافعات المجتمع المدني ولآراء الخبراء المستقلين...

  5. تفعيل مبدأ الجدولة الاستباقية بالنسبة للجلسات الشهرية، ولتواريخ مناقشة تقارير المؤسسات الدستورية وفق مبدأ التدرج إلى حين إصدار القوانين المنظمة لجميع الهيئات والمجالس الدستورية؛

  6. تيسير العمل الرقابي من خلال الرصد المستمر للمواضيع ذات الأولوية، وتجميع المعطيات المتعلقة بها ووضعها رهن إشارة الفاعلين البرلمانيين لاستغلالها في العمل الرقابي؛

  7. الاستمرار في تنزيل الجلسة السنوية المتعلقة بالسياسات العمومية، باعتبارها إحدى المستجدات البارزة في دستور 2011، من أجل توليد التراكمات التي ستسمح للمؤسسة البرلمانية من أن تشكل إحدى المراجع الوطنية في مجال تقييم الفعل العمومي.

المحور الثالث: على مستوى التواصل والانفتاح

تعتبر المؤسسة البرلمانية صرحا حقيقيا للنقاش العمومي والمجتمعي، فالحياة البرلمانية لا تكتمل بدون وجود حركية ودينامية مستمرة تصب في اتجاه جعل البرلمان في اتصال مؤسساتي دائم مع الفاعلين الجهويين والمحليين، ومع مختلف الفعاليات المجتمعية المدنية.

لذلك، وقناعة منا بأهمية التأهيل المستمر للعمل البرلماني بغرض مسايرة المستجدات والتحولات المجتمعية التي يشهدها المغرب وبغرض التفاعل كذلك مع الالتزامات التي تترتب على البرلمان بموجب المواثيق والأجندات الدولية، ومن منطلق الوعي بأهمية الانفتاح على انشغالات واهتمامات المواطنين والمواطنات (البرلمان الذي يريد ظهره للمجتمع وقضاياه هو برلمان غير جدير بهذا الاسم)، عملنا منذ تقلدنا لمسؤولية رئاسة المجلس، على إطلاق مجموعة متكاملة من الأوراش والمبادرات، في شكل منتديات وملتقيات وندوات فكرية، تهدف إلى جعل المجلس فضاء حاضنا للحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي (تنفيذا للهدف الاستراتيجي الثالث ضمن خطة عمل المجلس برسم الفترة الممتدة 2016-2018، وهي كلها أوراش تتغيا بلورة مخرجات في شكل وثائق وأرضيات عمل من أجل دعم العمل البرلماني، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة أو تقييم السياسات العمومية أو الدبلوماسية البرلمانية، وكذلك من أجل استيعاب الوظائف الدستورية الجديدة للمجلس.

 

ومن بين هذه المبادرات والأوراش، أذكر على سبيل المثال:

  1. إحداث المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية، الذي ينظمه المجلس تخليدا لليوم العالمي للعدالة الاجتماعية يوم 20 فبراير من كل سنة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة. وقد نظمت النسخة الأولى من هذا المنتدى يومي 19 و20 فبراير 2016 تحت شعار " تنمية الكرامة الإنسانية لتمكين العيش المشترك"، وتوجت أشغالها باعتماد ورقتين مرجعيتين، الأولى بعنوان "إعلان الرباط للعدالة الاجتماعية" والثانية بعنوان "مبادئ توجيهية بشأن معالم النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية"، وهي مخرجات مرجعية تم اعتمادها من طرف الاتحاد البرلماني الدولي ضمن مرجعيات استراتيجيته المرحلية للفترة 2017-2021؛

وفي 20 فبراير 2017، نظمت النسخة الثانية من المنتدى تحت شعار "مأسسة الحوار الاجتماعي: مدخل أساسي للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية"، والتي عرفت مشاركة مكثفة لأطراف الحوار الاجتماعي، من قطاعات حكومية ومركزيات نقابية بالإضافة إلى مشاركة وازنة لفعاليات المجتمع المدني. وهي النسخة التي تميزت بتكليف مجلس المستشارين، بموجب الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركات والمشاركين في أشغال المنتدى، بمتابعة البناء التشاركي للنموذج المغربي للعدالة الاجتماعية.

وتنفيذا لهذا التكليف الملكي السامي، اعتمدنا بمكتب المجلس ورقة منهجية تنفيذية لمسار البناء التشاركي للنموذج المغربي للعدالة الاجتماعية، تقاسمناها مع مختلف المؤسسات والفعاليات المعنية. وهي وثيقة بمثابة خارطة طريق تتضمن مجموعة من المحطات التشاورية والتنسيقية وحلقات نقاش تهدف إلى تحقيق الالتقائية في الآراء ووجهات النظر بشأن مجموعة من القضايا ذات الصلة.

ونتطلع، بفضل هذه المقاربة المنهجية التشاركية، إلى بناء نموذج مغربي متوافق عليه بشأن العدالة الاجتماعية.

يهمني أن أذكر بأن هذه المقاربة تندرج ضمن مساعي المجلس الرامية إلى التفاعل مع نبض المجتمع، وتهدف من بين ما تهدف إليه، إلى نقل الانشغالات والمطالب الاجتماعية من الشارع إلى الفضاء المؤسساتي.

  1. ثاني الأوراش التي أطلقها المجلس، والتي تهدف إلى استيعاب الوظائف الجديدة التي خص بها دستور 2011 مجلس المستشارين بصفته امتدادا للجهات والمجالات الترابية، يتجلى في إحداث ملتقى برلماني للجهات، بمثابة إطار مؤسساتي للتنسيق في تفعيل الورش الدولاتي الهام المتمثل في الجهوية المتقدمة.

وقد نظمت الدورة التأسيسية لهذا الملتقى يوم 6 يونيو 2016 بشراكة مع الجهات والمؤسسات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والقطاعات الحكومية وهيئات الحكامة ومختلف الفعاليات المعنية.

ولأننا نتوخى دائما أن تفضي مثل هذه الأوراش إلى مخرجات داعمة للعمل البرلماني، فقد تكللت أشغال الدورة التأسيسة للملتقى البرلماني للجهات باعتماد وثيقة بعنوان "أرضية عمل من أجل جهات ضامنة لالتقائية السياسات العمومية".

وحري بالذكر، أن المجلس منكب منذ فترة، وبمعية خبراء متخصصون في مجال الجهوية، على التحضير لأشغال الملتقى البرلماني الثاني للجهات، الذي حدد يوم 13 نونبر المقبل كموعد لانعقاده.

وفي هذا الصدد، تم تحديد ثلاث محاور يعكف المجلس والخبراء على دراستها، وتهم : (1) إدارة الجهات وأسئلة تعبئة الموارد البشرية؛ (2) برمجة التنمية الجهوية (مخططات التنمية الجهوية ومخططات التعمير وإعداد التراب...)؛ و(3) تمويل الجهوية.

وهي الدراسات التي يتم إنجازها على مراحل، بدءا من استقاء ملاحظات وآراء مجالس الجهات في القضايا والأسئلة ذات الصلة ضمن استمارات معدة بمعية الخبراء في الموضوع (توصل المجلس بجزء من الاستمارات المتضمنة لأجوبة مجالس الجهات، فيما ينتظر التوصل بباقي الاستمارات في غضون الأيام القليلة المقبلة)، وانتهاء بتنظيم ورشات موضوعاتية يومي 25 و26 أكتوبر الجاري من أجل النقاش وتبادل وجهات النظر في المواضيع الثلاث بحضور ممثلي الجهات وممثلي المؤسسات والقطاعات الحكومية المعنية إلى جانب أعضاء المجلس والخبراء، سيتم على إثرها إعداد تقارير ستعرض للتداول ضمن أشغال الملتقى البرلماني الثاني للجهات المزمع تنظيمه يوم 13 نونبر المقبل.

  1. من جهة أخرى، وتفاعلا مع أجندة 2030 للتنمية المستدامة، ومن منطلق الدور المنوط بالبرلمانات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن الخطة الأممية المعنونة "تحويل عالمنا" لاسيما عبر التحمل الأفقي لأدوار التشريع والرقابة، والإذن بتعبئة الموارد من خلال المصادقة على مشاريع القوانين المالية بالإضافة إلى مهام التمثيل عبر السهر على إسماع صوت مختلف شرائح المجتمع في عملية صنع القرار، وبشكل خاص أدوار مجلس المستشارين بالنظر إلى تعدد مكوناته الترابية والنقابية والمهنية، فقد نظم المجلس يوم 19 يناير 2017 ندوة دولية في موضوع "دور البرلمان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، تكللت باعتماد "دليل البرلماني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة" بمثابة وثيقة مرجعية ومعيارية موجهة لأعضاء المجلس بغية الاستناد عليها في رصد وتتبع أهداف التنمية المستدامة ضمن أشغالهم التشريعية والرقابية والدبلوماسية...

  2. وعلى صعيد آخر، تفاعل المجلس يوم 26 يناير 2017، في خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى البرلمانات في العالم، مع مضامين اتفاق باريس حول التغيرات المناخية، عبر تنظيم ندوة دولية بشراكة مع معهد غرانتهام للدراسات المناخية التابع لجامعة الاقتصاد بلندن، في موضوع "ملاءمة التشريع الوطني مع مستلزمات اتفاق باريس حول التغيرات المناخية". وهي الندوة التي توجت باعتماد خارطة طريق بعنوان "أرضية عمل بشأن ملاءمة التشريعات الوطنية ذات الصلة تحدد بدقة النصوص القانونية التي تستوجب التحيين والملاءمة مع اتفاق باريس...

  3. وعلى صعيد آخر، وفي خطوة فريدة من نوعها على مستوى العالم العربي، أقدم المجلس على توقيع اتفاقية ثلاثية مع جامعة محمد الخامس ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية، ستتم بموجبها تعبئة عدد من المساعدين البرلمانيين من بين الطلبة الباحثين في أسلاك الدكتوراه بكليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الثلاث التابعة للجامعة، كمتدربين لدى مجلس المستشارين لدورتين متتاليتين (يتم كل سنة اختيار فوج جديد). وهو ما سيمكن على الأقل من توفير الدعم التقني والفني لفائدة أعضاء المجلس في مجالات عملهم البرلماني ومن دعم البحث العلمي والإسهام في إشراك نخبة من الشباب في الحياة السياسية.

  4. ويهتم المجلس أيضا بتوفير التكوين والتكوين المستمر لأعضائه سواء من خلال تنظيم أيام دراسية وندوات في مواضيع ذات الراهنية، أو من خلال تنظيم دورات تكوينية في مجالات ذات الارتباط بالعمل البرلماني. فعلى سبيل المثال، نظم المجلس لفائدة أعضائه دورات تكوينية في مجال حقوق الإنسان وآليات الاستعراض الدوري الشامل، وأخرى في مجال تقييم السياسات العمومية. كما تتضمن برامج التعاون مع المؤسسات الدولية، مثل مؤسسة وستمنستر للديمقراطية ومؤسسة كنراد أدناور الألمانية، تكوينات نوعية لفائدة البرلمانيين في مجالات مثل صياغة التشريعات والتواصل والجهوية الموسعة...

  5. وضمن نفس المنطق، ينظم المجلس منتدى سنوي مع المجتمع المدني من أجل التشاور والتحديد التشاركي للموضوعات ذات الأولوية الممكن إدراجها في عمل المجلس على مستوى التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية؛

  6. كما يعكف المجلس على وضع أرضية للاستشارة العمومية لاسيما على المستوى الإلكتروني في مختلف مجالات العمل البرلماني للمجلس...

وختاما، تجب الإشارة إلى أن مجلس المستشارين، والبرلمان عموما، يشتغل ضمن منظومة علاقات برلمانية دولية وإقليمية متشعبة، وبذلك فهو يضطلع، إلى جانب أدواره في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، بمهام دبلوماسية نسعى من خلالها إلى خدمة المصالح الاستراتيجية للوطن، عبر الإسهام والتأثير في صياغة الأجندات الدولية والإقليمية، وإقامة شراكات إستراتيجية مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة. ويهمني هنا، أن أقف عند بعض المبادرات التي نعكف على إطلاقها من أجل تعزيز الحوار جنوب-جنوب، على سبيل المثال لا الحصر:

  • إحداث منتدى برلماني إفريقي أمريكي-لاتيني...

  • إقامة شبكة برلمانية إفريقية عربية حول الأمن الغذائي، تقودها رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة بإفريقيا والعالم العربي، التي أتشرف برئاستها، بشراكة مع الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومختلف المنظمات الدولية والإقليمية المعنية...

تلكم إذن، بعض واجهات العمل التي أطلقها المجلس بهدف تأهيل العمل البرلماني في شتى مناحيه، والتي تناولتها على سبيل المثال لا الحصر.

 

وشكرا على حسن الإصغاء.