تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة ندوة الجمعية البرلمانية منظمة الأمن حول التطرف العنيف

2017-10-20

الكلمة الافتتاحية للأستاذ حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين

في  الندوة حول:

"ظاهرة انتشار التطرف العنيف بمنطقة منظمة الأمن والتعاون بأوربا والاستراتيجية الكفيلة بالحد من استقطاب وتجنيد المنظمات الإرهابية للشباب: المقاربة المغربية"

 

الجمعة 20 أكتوبر 2017 بمقر مجلس المستشارين

حضرات السيدات والسادة،

يشرفني أن أرحب بوفد الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون بأوربا والمشاركة في افتتاح أشغال هذا اللقاء البالغ الأهمية حول "ظاهرة انتشار التطرف العنيف بمنطقة منظمة الأمن والتعاون بأوربا والاستراتيجية الكفيلة بالحد من استقطاب وتجنيد المنظمات الإرهابية للشباب: المقاربة المغربية". كما أود في البداية أن أهنئ الجمعية البرلمانية على الجهود التي تبذلها في سبيل تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات، بغية حل واحتواء المشاكل القائمة في المنطقة وإزالة أسباب التوتر وما ينجم عنه من تهديد للسلم والأمن، وفي سبيل تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المنطقة.

إن عقد هذه الندوة يأتي في سياق مواصلة المجهود الجماعي للتفكير في أنجع السبل لتطويق هذه الظاهرة المقيتة وفي سياق تواجه فيه دول المنطقة تحديات مشتركة والمتعلقة بقضايا المقاربات الشاملة والمندمجة في مجال مكافحة الإرهاب على ضوء التطور المقلق لبعض الظواهر كظاهرة المقاتلين الأجانب والتحدي الأمني الذي تطرحه على دول المنطقة.

وتبعا لذلك فإن مجلسي البرلمان المغربي يتقاسمان تمام التقاسم الأولويات والإطار المنهجي للسياسات الوطنية والإقليمية والشاملة لمكافحة الإرهاب كما وردت في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 2178 (2014) بتاريخ 24 سبتمبر 2014 (S/RES/2178 (2014)) وبنفس القدر من الأهمية الذي يتقاسمان فيه الأولويات المتعلقة بالدور الخاص للبرلمانات في المجهودات الهيكلية لمكافحة الإرهاب، وعلى رأسها أولوية التعاون الثنائي والإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب وإيجاد الإطار التشريعي الملائم لذلك، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الأمني، القضائي وتبادل الخبرة و المعلومات والتجارب؛ والعمل عبر إجابات تشريعية وسياسات عمومية فعالة، على الإدماج الاجتماعي للفئات الهشة الأكثر عرضة للتهميش والأكثر عرضة لمخاطر الانزلاق نحو التعصب التطرف الديني، ولا شك أن سياسات التشغيل وتطوير عرض التعليم والتكوين وسياسات العدالة الاجتماعية بشكل عام ومكافحة خطاب الكراهية والعنصرية والغلو هي مداخل أساسية للقضاء على الأسباب البنيوية المغذية للإرهاب.

حضرات السيدات والسادة،

لقد سعى المجتمع الدولي، على مدى العقدين الماضيين، إلى التصدي للتطرف العنيف أساسا ضمن سياق تدابير مكافحة الإرهاب ذات الطابع الأمني التي اعتُمدت للتصدي للتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة والجماعات المنتسبة إليه. غير أنه مع ظهور جيل جديد من الجماعات، هناك توافق دولي متزايد على أن تدابير مكافحة الإرهاب تلك لم تكن كافية للحيلولة دون انتشار التطرف العنيف.

وسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن اتخذت قرارا اتخذته بتاريخ 12 فبراير 2016 ”ترحب فيه بمبادرة الأمين العام، وتحيط علماً بخطة العمل التي قدّمها لمنع التطرف العنيف“. ودعا الأمين العام في هذه الخطة إلى إتباع نهج شامل لا يتضمن فحسب اتخاذ تدابير أمنية أساسية لمكافحة الإرهاب، بل واتخاذ خطوات وقائية منهجية لمعالجة الظروف الكامنة التي تدفع الأفراد إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة.

وتشكل هذه الخطة نداء من أجل العمل المتضافر من جانب المجتمع الدولي. وهي تقدم أكثر من 70 توصية إلى الدول الأعضاء ومنظومة الأمم المتحدة بشأن منع حدوث المزيد من انتشار التطرف العنف. واسمحوا لي أن أتوقف على إحدى التوصيات الهامة ذات الصلة بخطط العمل الوطنية لمنع التطرف العنيف، ففضلا عن تشجيع الدول عن وضعها وتنفيذها، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على أنه " ينبغي أن توطِّد الخطط الوطنية الميثاق الاجتماعي ضد التطرف العنيف بتعزيز احترام مبدأ المساواة أمام القانون والمساواة في التمتع بحماية القانون في جميع العلاقات بين الحكومة والمواطن، وبتطوير مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، وكفالة صنع القرار على نحو مستجيب للاحتياجات وشامل للجميع وتشاركي وتمثيلي. وأشجع البرلمانيين على توفير الأساس التشريعي الوطني لخطط العمل الوطنية الرامية إلى منع التطرف العنيف بما يتسق والتزاماتهم الوطنية والدولية، عند الاقتضاء".

حضرات السيدات و السادة،

سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أن أرسى رؤية وفلسفة المملكة المغربية بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف ومسؤولية المنتظم الدولي حيث أكد جلالته في الخطاب السامي الذي وجهه للدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 شتنبر 2016، على " أن العالم اليوم في مفترق الطرق. فإما أن يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية، لتحقيق تقدمها، وضمان الأمن والاستقرار، بمناطقها، وإما أننا سنتحمل جميعا، عواقب تزايد نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، التي يغذيها الشعور  بالظلم والإقصاء، والتي لن يسلم منها أي مكان في العالم، وإني لواثق بأن تنامي الوعي من طرف المجتمع الدولي بالتهديدات العابرة للحدود، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة إلى الإيمان بالمصير المشترك  للشعوب سيكون له تأثير كبير في إيقاظ الضمير العالمي من أجل عالم أكثر أمنا وإنصافا وإنسانية". انتهى كلام صاحب الجلالة.

تأسيسا على ذلك فإننا مقتنعون، بأن إستراتيجيتنا الوطنية المندمجة والمعتمدة على مقاربة استباقية في مكافحة الإرهاب والتي سيتم تقديم بعض عناصرها من قبل السادة المحاضرين، وبأن المجهود المتظافر للسياسات الأمنية -المرتكزة على احترام حكم القاعدة القانونية- والتربوية وإعادة هيكلة الحقل الديني التي يشرف عليها جلالة الملك شخصيا بصفته أميرا للمؤمنين، وتكريس الطابع المركزي لقيم الإسلام السمح، ومساعي الرعاية اللاحقة والمراجعات الإرادية والتدريجية التي قام بها عدد من المحكومين سابقا في قضايا الإرهاب، إضافة إلى المسلسل الذي أطلق مؤخرا لمراجعة مناهج التربية الدينية، هي كلها مساعي يمكن في حالة قراءتها كجزء من إستراتيجية شمولية أن تعتبر عناصر مقاربة مغربية خاصة في مجال سياسات الوقاية من الإرهاب، مقاربة محصنة بضمانات دستورية واتفاقية دولية متينة، وهي المقاربة التي نود تقاسمها مع شركائنا في الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون بأوربا.

حضرات السيدات والسادة،

 اسمحوا لي أيضا أن أستحضر معكم، في نهاية هذه المداخلة، التشخيص العميق الذي قدمته الرابطة المحمدية للعلماء بصدد تفكيكها لخطاب التطرف العنيف وكذا مقترحات الحلول في شكل أوراش. وبالفعل وفي سياق تفاعل هذه المؤسسة الدينية مع الإستراتيجية الوطنية ذات الصلة، توقفت الرابطة على عشر جراحات مسهلة للاستقطاب وتتمثل في نظرية المؤامرة والاستعمار ومخلفاته وإسرائيل والمعايير المزدوجة -الكيل بمكيالين- وإهانة المسلمين عبر وسائل الإعلام الغربية والكوكتيل العراقي الأفغاني البوسني.. والسطو على ثروات العالمين العربي والإسلامي والغزو الفكري وتحريف الجغرافيا والتاريخ وحرق المصحف الشريف والإساءة إلى النبي "صلعم".

وفي مقابل هذه الجراحات، تقدم الرابطة مقتضيات لفرملة، ما أسمته، بالدنامية المدمرة، وطرحت بهذا الخصوص ثلاثة أوراش كبرى تشمل الجانب الاجتماعي التحصيني والجانب المضموني والجانب التقريبي المتعلق بالجانب التربوي والإعلامي.   

 تلكم أيها السادة والسيدات، بعض العناصر التي وددت تقاسمها معكم، ولي اليقين بأن المداخلات التالية من قبل ذوي الخبرة والاختصاص، ستغني أكثر أشغال ندوتنا هذه.

وشكرا على حسن الإصغاء.