تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السيد رشيد المنياري يبرز دور التشريع في مواكبة التطور الرقمي وحماية البيانات والمعاملات الالكترونية

2017-11-16

السيد الرئيس المحترم؛

السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛

السيدات والسادة الأفاضل؛

 

يسعدني أن أتناول الكلمة في افتتاح هذا الملتقى الذي ننظمه في موضوع غاية في الأهمية، وأضحى من المواضيع التي تستأثر باهتمام الرأي العام والباحثين والممارسين للشأن العام.

إن اختيار هذا الموضوع ليس من باب الترف ولا مسايرة للموضة بقدر ما ينبع من قناعة تترسخ يوما بعد اخر من كون رقمنة المعلومة أصبحت واقعا لا مناص منه بل ضرورة ملازمة لتطور الدول والمجتمعات...

ولم يتأخر المغرب ملكا وحكومة وبرلمانا عن مواكبة هذه الطفرة الجديدة في عالم اليوم  من خلال بلورة استراتيجيات وبرامج وخطط سأحاول من خلال هذه الكلمة المقتضبة أن ألامس بعضا من جوانبها.

وخير ما نستهل به المداخلة هو التذكير بمقتطف من الخطاب الملكي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بمناسبة عيد العرش المجيد يوم 30 يوليوز 2008، حيث جاء فيه "ندعو الحكومة إلى اعتماد إستراتيجية جديدة في المجال الصناعي والخدماتي وتنمية تكنولوجيات العصر، تقوم على الاستغلال الأمثل لما تتيحه العولمة من فرص تدفق الاستثمار، وتهدف إلى تقوية المقاولة المغربية وتشجيع الاستثمار الصناعي الحامل للقيمة المضافة، وفتح المجال أمام الاقتصاد الوطني، لاقتحام أنشطة صناعية جديدة ذات تقنيات مبتكرة، وأسواق واعدة، لتصدير منتجاتها وخدماتها.  فعزمنا يوازي طموحنا، لإدماج المغرب بمقاولاته وجامعاته، في الاقتصاد العالمي للمعرفة". انتهى منطوق صاحب الجلالة.

 

ومنذ تلك اللحظة، وبناء على التوجيهات الملكية السامية انكبت الحكومة على إعداد إستراتيجية المغرب الرقمي 2013، والتي همّت الفترة الممتدة من 2009 إلى 2013، وتضمنت محاور إستراتيجية تروم تعزيز الخدمات العمومية الموجهة إلى المرتفقين، والرفع من مردودية وإنتاجية المقاولات الصغرى والمتوسطة، والعمل على إرساء صناعة تكنولوجيات الإعلام، كما تضمنت محورين مواكبين للمحاور السابقة تتعلق بتنمية الرأسمال البشري وإرساء الثقة الرقمية.

وليست هذه هي الإستراتيجية الأولى بالنسبة للمغرب في مجال التطور الرقمي والتكنولوجي، بل سبق لبلادنا أن اعتمدت قبل ذلك المخطط الخماسي 1999- 2003، والذي وضع من أجل تطوير قطاع الاتصالات والتكنولوجيات الحديثة، حيث تمت مواكبة ذلك باعتماد أول قانون بهذا الخصوص في سنة 1996، وهو القانون رقم 24.96 الذي ساهم في إطلاق المرحلة الأولى من تحرير قطاع الاتصالات من الاحتكار، ما مكّن من إنشاء شركة "اتصالات المغرب" و"بريد المغرب" و"الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات"، كما مكّن بلادنا من وضع الإطار التشريعي الكفيل بحلّ إشكاليات حماية الأسماء في القطاع التجاري، وتدفق البيانات ذات الطابع الشخصي وسلامة المعاملات التجارية الإلكترونية، ما أحدث نقطة تحول في قطاع التعليم من خلال إدماج الأدوات المعلوماتية والانترنت في المؤسسات التعليمية.

وبعد ذلك، تم وضع إستراتيجية المغرب الإلكتروني لسنة 2005- 2010، والتي هدفت إلى سد الفجوة الرقمية التي كانت تعرفها بلادنا، عن طريق تمكين كافة المواطنين المغاربة من النفاذ لمجتمع المعلومات، وتوفير التكوين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بما يتلاءم مع جميع المستويات من جهة، ومن جهة أخرى تعزيز مكانة المغرب على الصعيد الدولي في مجال الصناعة الإنتاجية ذات قدرة تنافسية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال وصناعة خدمات الاتصال عن بعد، لاسيما تلك الموجهة للتصدير وتمكين الشركات المتخصصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال من الولوج إلى هذا المجال، وتوفير التكوين بشأن امتلاك المهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال.

أما "الإستراتيجية الرقمية 2020" التي تعمل الحكومة على تنزيلها في الوقت الراهن، فتندرج هي الأخرى في سياق متابعة التقدم الذي تم تحقيقه على مدى سنوات في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وتمكينها من مواصلة تعزيز تموقع المغرب كمركز إقليمي في هذا المجال، وتقديم الخدمات لكل من المواطن والمقاولة، لاسيما الصغرى منها والمتوسطة بجودة أفضل وفي ظروف أحسن وبإمكانيات أقل.

 

السيد الرئيس المحترم؛

السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛

السيدات والسادة الأفاضل؛

إن كل الإستراتيجيات السالفة الذكر غايتها تحقيق تطور تكنولوجي ورقمي كبير ببلادنا، غير أن ذلك يبقى ناقصا دون اعتماد مجموعة من النصوص القانونية من طرف البرلمان، قصد تأطير هذه الاستراتيجيات وتقويتها بمنظومة تشريعية قادرة على منحها نفسا جديدا، وتمكينها من مواكبة العصر وضمان شروط المنافسة بين دول العالم.

وفي هذا الإطار، فقد صادق البرلمان في إطار اختصاصاته الدستورية على القانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي، والذي يهدف إلى تنظيم اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ووضع قواعد عملها، وتحديد سلطاتها في التقصي والمراقبة، ووضع الإطار الذي تعالج ضمنه المعطيات الشخصية، وحق الولوج إليها، وكيفية نقل المعطيات أو بعضها خارج الوطن.

كما تم  اعتماد القانون رقم 08.31 المتعلق بتحديد التدابير لحماية المستهلك، الذي يضم بعض الأحكام المتعلقة بالتسويق الالكتروني والإعلان على شبكة الانترنت.

وقد تم إصدار القانون رقم 05.53 المتعلق بتبادل البيانات القانونية الالكترونية، والذي سعى من خلاله المشرع إلى تشجيع ولوج المغرب إلى تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والاستجابة لتطلعات المتعاملين في إطار المبادلات الالكترونية، فتم إدراج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المعاملات القانونية، حيث يتعرض هذا القانون للمساطر وطرق معالجة وتحويل المعطيات والتحقيق من المعلومات والتوقيع الإلكتروني.

كما يشكل إصدار القانون رقم 61.16 المحدثة بموجبه وكالة التنمية الرقمية، الموافق عليه في الدورة البرلمانية الأخيرة إضافة نوعية لهذا المسار التشريعي، وذلك بمنح هذه الوكالة مجموعة من المهام، من أهمها تعزيز التنسيق بين السلطات العمومية والهيئات المعنية بتنفيذ إستراتيجية الاستثمار في مجال التنمية الرقمية والتحفيز عليه، وتوفير الخبرة اللازمة للفاعلين في مجال الاقتصاد الرقمي قصد تعزيز قدرتهم التنافسية.

 

وقبل أن أنهي هذه المداخلة، أسجل كما تم ذلك في مناسبات سابقة وعديدة، أننا كمجلس منفتحون على جميع المبادرات الرامية إلى تعزيز المنظومة التشريعية والقانونية في هذا المجال الحيوي، بما يضمن خدمة المصلحة العليا للوطن.

وشكرا على حسن تتبعكم.