كلمة السيد حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين
في اللقاء المنظم من طرف "مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل"،
حول: "مقترح قانون لتعديل المادة 2 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية".
ـ يوم الاثنين 20 نونبر 2017 ـ
حضرات السيدات والسادة؛
يطيب لي أن أساهم في افتتاح أشغال هذا اللقاء المنظم من طرف "مجموعة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل" حول: "مقترح قانون يقضي بتعديل المادة 2 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية"، والتي تطرح إشكال فيما يتعلق بموضوع حماية الملكية التي تعتبر من أسمى الحقوق التي تضْمَنها وتحميها كل المواثيق والاتفاقيات الدولية والدستور المغربي وكذا القوانين الوطنية. ونذكر هنا بالخصوص كل من:
- المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)؛
- الفصل 35 من دستور 2011 (الفقرة الأولى) الذي ينص على أنه: ”يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون"
وتشكل الملكية العقارية أحد أهم أنواع الملكية، باعتبارها المحرك الأساسي للاستثمار ومن مكونات الاستقرار الاجتماعي، ويعتبر إرساء نظام خاص بالعقار هو الكفيل بضمان تحقيق ما أصبح يصطلح عليه اليوم بالأمن العقاري. ولذلك هناك عدة قوانين خاصة تحكم الملكية العقارية من حيث نظامها القانوني، ومن حيث مختلف التشريعات الخاصة المنظمة لها، ومن بينها قانون التحفيظ العقاري وقانون الحقوق العينية الذي صدر2011 ،موضوع مقترح التعديل هذا المقدم من طرف مجموعتكم، وكلاهما يهدفان إلى تحصين الأنظمة العقارية بالعديد من المقتضيات والإجراءات الشكلية لحماية الملكية العقارية من الاستيلاء والاعتداء عليها.
حضرات السيدات والسادة؛
كما تعلمون تعرف بلادنا ظاهرة خطيرة تمس بصورة المغرب في الأوساط الاقتصادية والمتمثلة في ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير الذي يتسبب في الإساءة إلى نظام الملكية العقارية في بلادنا، بالإضافة إلى الأضرار التي يمكن أن يلحقها بحقوق الغير.
ويؤكد ذلك حجم القضايا المعروضة على القضاء المتعلقة بالاستيلاء على عقارات الأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج، وكذا حجم الشكايات التي توصل بها جلالة الملك، مما حدا بجلالته إلى بعث رسالة إلى وزير العدل والحريات بتاريخ 30 دجنبر 2016، وذلك بهدف التصدي لهذه الظاهرة لما يترتب عنها من انعكاسات سلبية وخطيرة قد تؤدي إلى زعزعة ثقة الفاعلين الاقتصاديين والتي كما يقول جلالة الملك "لايخفى دورها كرافعة أساسية للاستثمار، وكمحرك لعجلة التنمية الاقتصادية والاجتاعية" .
وقد بين تشخيص وضعية هذه الظاهرة، الذي قامت به وزارة العدل، أن الاستيلاء على العقارات لا يخرج عموما عن أربع حالات:
1- عدم حضور المالك الحقيقي للعقار وانتحال صفته من طرف الغير ببطاقة تعريف وطنية مزورة ، مدعيا أنه المالك الحقيقي؛
2- عدم حضور المالك وحضور وكيل ينوب عنه بموجب وكالة مبرمة بالمغرب أو بالخارج تبين أنها مزورة؛
3- الإدلاء برسوم إراثة أو وصايا مزورة؛
4- إبرام عقود بيع خارج التراب الوطني؛
كما تَبَين أن غالبية حالات الاستيلاء تنصب على عقارات في ملكية الأجانب أو المغاربة المقيمين في الخارج والتي تكون في أغلب الأحيان فارغة أو مستغلة من طرف بعض الأشخاص لهم علاقة قرابة أو معرفة بماليكها، وأظهر التشخيص أيضا أن هذه الظاهرة تتجاوز السلوكات الفردية لتأخذ طابع الجرائم المنظمة التي تستفيد من خبرة ومساعدة بعض المتدخلين في المنظومة العقارية.
ولوضع حد لهذا الإشكال المطروح تم اتخاذ بعض التدابير والإجراءات والحلول من طرف السلطات العمومية المختصة(على رأسها وزارة العدل والمحافظة العقارية)، كما تم إدخال بعض التعديلات على القوانين حيث تم خلال هذه السنة تَتْمِيم المادة 4 من نفس هذا القانون- قانون الحقوق العينية- بمقتضى القانون رقم 69.16، الذي صدر في شهر شتنبر من هذه السنة(2017)، بإضافة الوكالة ضمن الوثائق الواجب تحريرها بمحرر رسمي أو من طرف محام مؤهل لذلك بواسطة محرر ثابت التاريخ. وتعود أسباب هذا التعديل إلى آثار ومخلفات الوكالات العرفية والتي كان يطالها فعل التزوير أو المشاركة فيه.
إلا أن المادة الثانية- الفقرة الثانية- من نفس القانون،التي قدم هذا المقترح من أجل تعديلها، ماتزال تشكل إحدى الثغرات القانونية التي تُمَكن بعض الأشخاص من الاستيلاء على عقارات الغير بدون موجب قانوني. هذا بالإضافة إلى إلقاء عبء على المالكين المقَيدين بضرورة الإطلاع على وضعية عقاراتهم على الأقل مرة كل أربع سنوات، وهو الأمر الذي يعتبر صعبا على بعض المواطنين ومنهم أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذين لا يأتون إلى المغرب بشكل منتظم،حتى وإن جاءوا فإن مدة تواجدهم تكون قصيرة وقد تحول دون تمكنهم من الإطلاع على ممتلكاهم العقارية وبالخصوص في حالة وجودها في مدينة غير مدينة الإقامة.
ويِؤكد الخبراء أن المدة المحددة في هذه المادة- أربع سنوات - لرفع الدعوى لا مبرر لها متى كان الأمر يتعلق بتدليس أو تزوير أو استعمال، وبالتالي هناك مطالب بتعديل أو إلغاءها تفاديا لاستعمالها للسطو والاستيلاء على عقارات الغير في إطار القانون، مما يجعل معه مقترح تعديل هذه المادة،المقدم من طرف مجموعتكم، يكتسي أهميته. ويمكن أن يكون من بين التدابير الإضافية التي يمكن أن تساهم في حماية حق الملكية وتحقيق الأمن العقاري، والتصدي لظاهرة الاستيلاء والاعتداء على عقارات الغير. ونتمنى أن يكون النقاش مفيدا وغنيا للوقوف على الإشكالات التي تطرحها هذه المادة أو حتى مقتضيات أخرى، وشكرا لكم./.