الخميس 14 دجنبر 2017 بمجلس المستشارين، الرباط
السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المحترم؛
السيد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان المحترم؛
السيدة رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب المحترمة؛
السيد سفير المملكة المتحدة المعتمد بالرباط المحترم؛
السيدة ممثلة مؤسسة وستمنستر للديمقراطية المحترمة؛
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين؛
ضيوفنا الأعزاء رؤساء وممثلي برلمانات منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط المحترمين؛
حضرات السيدات والسادة.
في مستهل هذه الكلمة الافتتاحية، أود أن أشكركم جميعا على الحضور والمشاركة في فعاليات هذا المؤتمر البرلماني الإقليمي والترحيب بضيوفنا الكرام في بلدهم الثاني المغرب. والشكر موصول لشركاؤنا في هذه الفعالية وأخص بالذكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان والاتحاد العام للمقاولات المغربية ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية.
كما لا يخفى عليكم، أدت العولمة واقتصاد السوق، إلى تغيير جذري في بنيات العالم الذي نعيش فيه اليوم، حيث طرحت تحديات جديدة ومعقدة لحماية حقوق الإنسان، وطفا على السطح فاعلون جدد خاضعين لحكم القانون ولأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولاسيما، منهم، الشركات التي تعمل عبر الحدود الوطنية أو ما تتم تسميته بالشركات متعددة الجنسيات. وبالفعل أو بعدم الفعل، يمكن للشركات أن تكون مصدر خروقات، إما بانتهاك حقوق الإنسان بشكل مباشر، أو بالتواطؤ مع جهات أخرى تنتهك حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من احتمال، أقول احتمال، التسبب بانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل مؤسسات الأعمال، فإن ثمة عدداً قليلاً من الآليات الفعالة على المستويين الوطني والدولي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الشركات، أو لمحاسبة هذه الشركات، على الرغم من أن الالتزام الرئيسي بضمان شمولية التمتع بحقوق الإنسان، يقع على عاتق الحكومات، بما يشمل حماية جميع الأفراد من الأفعال الضارة التي يرتكبها الفاعلون غير الدولتيون في نطاق الأعمال التجارية.
وتأسيسا على ذلك ينبغي أن تتناول المعايير العالمية مسؤوليات الدول ومؤسسات قطاع الأعمال على حد سواء تجاه حقوق الإنسان، ويجدر أن يتمثل الحد الأدنى من الشروط في كون جميع تلك المؤسسات تمتثل لواجب احترام جميع حقوق الإنسان، بغض النظر عن القطاع أو البلد أو السياق الذي تعمل فيه.
حضرات السيدات والسادة
إنّ موضوع العلاقة بين الأعمال التجارية وحقوق الإنسان لا يزال موضوعاً ناشئاً في القانون الدولي، وقد بدأت منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السنوات الأخيرة بتسليط الضوء على هذا الموضوع وقامت بإنشاء آليات لرسم حدود العلاقة بين الأعمال التجارية وحقوق الإنسان وتوعية الشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية عن دورها ومسؤوليتها عن احترام حقوق الإنسان. نتيجة لذلك تعزز الرصيد المعياري ذي الصلة بأدوار ومسؤوليات كل من الحكومات وقطاع الأعمال التجارية فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان واحترامها ويتعلق الأمر ب:
-
القرار 2005/69 الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2005 والذي طلبت فيه إلى "الأمين العام أن يعين ممثلاً خاصاً يعنى بمسألة حقوق الإنسان والشركات " عبر الوطنية" وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية"؛
-
إطار الأمم المتحدة المعنون "الحماية والاحترام والانتصاف" المتعلق بحقوق الإنسان والأعمال التجارية، الذي أعده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية. وفي 18 يونيو 2008، رحب مجلس حقوق الإنسان بالإجماع بالوثيقة المتعلقة بإطار "الحماية والاحترام والانتصاف" الذي اقترحه الممثل الخاص في تقريره النهائي؛
-
المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان لتنفيذ إطار الأمم المتحدة المعنون "الحماية والاحترام والانتصاف" والتي أقرها مجلس حقوق الإنسان في 16 يونيو 2011 (تقدم هذه المبادئ التوجيهية – لأول مرة – معياراً عالمياً لمنع ومعالجة خطر تعرض حقوق الإنسان لآثار ضارة مرتبطة بنشاط تجاري)، وأتاحت هذه المبادئ الأساس المعياري والإجرائي اللازم لتنفيذ إطار الأمم المتحدة للأعمال التجارية وحقوق الإنسان المعنون "الحماية والاحترام والانتصاف"، الذي بُني على ثلاث ركائز، وهي كما يلي:
-
واجب الدولة في الحماية من انتهاكات الأطراف الثالثة لحقوق الإنسان، بما فيها مؤسسات الأعمال، عن طريق السياسات والأنظمة والأحكام القضائية؛
-
مسؤولية الشركات عن احترام حقوق الإنسان، مما يعني أن على مؤسسات الأعمال أن تتصرّف بالعناية الواجبة لتجنّب انتهاك حقوق الآخرين ومعالجة ما تساهم فيه من تأثيرات ضارة؛
-
الحاجة إلى زيادة إمكانية وصول ضحايا الانتهاكات المتصلة بنشاط الأعمال إلى سبل الانتصاف، وذلك عن طريق عمليات التظلم القضائية وغير القضائية.
-
القرار 17/4، والذي أقره مجلس حقوق الإنسان في دورته السابعة عشرة (6 يوليوز 2011)، بإنشاء فريق عامل معني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية. حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بموجب الفقرة 12 من قراره 17/4، إنشاء منتدى معني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان بتوجيه من الفريق العامل المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية.
-
القرار 26/9 والذي اعتمده مجلس حقوق الإنسان في دورته السادسة والعشرين، في 26 يونيو 2014، والذي قرر بموجبه "إنشاء فريق عامل حكومي دولي مفتوح العضوية معني بالشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يكلَّف بولاية إعداد صك دولي ملزم قانوناً ينظم، في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، أنشطة الشركات عبر الوطنية وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية."
حضرات السيدات والسادة،
تبعا للديناميات والأوراش الإصلاحية المهيكلة المفتوحة ببلدنا والرامية إلى توطيد البناء الديمقراطي وتعزيز حقوق الإنسان وآخرها الإعلان الرسمي يوم أمس عن إطلاق خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ببلادنا. ومن أجل ترصيد المجهود الوطني ودعم مساره بسبل أقوى، وبغرض ارتياد آفاق أرحب، يبدو لنا أن هناك حاجة ماسة لمجهودات إضافية في هذا المجال.
وفضلا عن ريادة المجلس الوطني لحقوق الإنسان سواء على المستوى الوطني لكونه أدرج في أجندة أولوياته تحمل هذه القضية الناشئة عبر إطلاق الدراسات وسلسلة من الورشات التدريبية ذات الصلة، أو على المستوى الدولي ولاسيما ترأسه لفريق العمل المعني بحقوق الإنسان والأعمال التجارية التابع للتحالف الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان؛ وبحكم، أنه لم يتم لحد الآن، اعتماد هذا الصك المعياري الملزم، اسمحوا لي أن اقترح عليكم إطارا معياريا مدعما ومكملا يمكن الاسترشاد به لاعتبار المسؤوليات والحقوق في هذا الشأن. ويتعلق الأمر باجتهادات أجهزة المعاهدات ولاسيما لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة حقوق الطفل.
وهكذا ترى لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقاتها العامة السابقة ذات الصلة بالحق في الصحة والماء والسكن والشغل والضمان الاجتماعي...، أنه يقع على عاتق الدول الأطراف الالتزام الأساسي باحترام حقوق جميع الأشخاص الخاضعين لولايتها الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها وإعمالها في سياق أنشطة الشركات التي تنفذها مؤسسات أعمال خاصة أو على ملك الدولة. وينبع ذلك من المادة 2 من العهد التي تعرّف طبيعة التزامات الدول الأطراف، وتشير إلى خطوات تنفيذ تشريعية وغيرها من خطوات التنفيذ المناسبة التي تشمل تدابير إدارية ومالية وتثقيفية واجتماعية، وتقييم الاحتياجات المحلية والعالمية، وتوفير سبل انتصاف قضائية أو غيرها من سبل الانتصاف الفعالة. وتبعا لذلك تقترح اللجنة في تعليقها العام رقم 24 الصادر بتاريخ 10 غشت 2017 ترجمة هذا الالتزام، فضلا عن واجب عدم التمييز، من خلال ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: واجب احترام الحقوق: يتطلب من الدول الأطراف ضمان تطابق قوانينها وسياساتها العامة المتعلقة بأنشطة الشركات مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في العهد. وكجزء من هذا الالتزام، تكفل الدول الأطراف أن تبدي الشركات العناية الواجبة للتأكد من أنها لا تعيق تمتع المعتمدين على أنشطتها أو المتضررين منها بالحقوق الواردة في العهد.
المستوى الثاني: واجب حماية الحقوق: ويُقصد بذلك أن تحمي الدول الأطراف بفعالية أصحاب الحقوق من أي انتهاكات لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تشارك في ارتكابها أطراف فاعلة من الشركات، من خلال سنّ قوانين ونُظم ملائمة، واتخاذ إجراءات للرصد والتحقيق والمساءلة بغية وضع وإنفاذ معايير لأداء الشركات. ومثلما أوضحت اللجنة مراراً، فإن عدم الامتثال لهذا الالتزام قد يحدث نتيجة فعل أو امتناع عن فعل. ومن الأهمية بمكان أن تكفل الدول الأطراف حصول ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الشركات على سُبُل انتصاف فعالة من خلال وسائل قضائية أو تشريعية أو وسائل أخرى مناسبة.
المستوى الثالث: واجب إعمال الحقوق: ويعني أن تتعهد الدول الأطراف بأن تحصل من قطاع الشركات على الدعم اللازم لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والدول الأطراف التي تكون مقراً لشركات تنشط في الخارج تشجع هذه الشركات على مساعدة الدول المضيفة، حسب الاقتضاء، بما في ذلك في حالات النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، في بناء القدرات اللازمة بغية ضمان تحمل الشركات مسؤوليتها في مراعاة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي نفس المنحى، ترى اللجنة المعنية بحقوق الطفل في التعليق العام رقم 16 (2013) بشأن التزامات الدول بشأن أثر قطاع الأعمال التجارية على حقوق الطفل، فضلا عن أهمية اعتبار ترجمة الالتزامات عبر الواجبات الثلاث السابق ذكرها والتي عنونتها اللجنة بالالتزامات، ضرورة مراعاة المبادئ العامة لاتفاقية حقوق الطفل في اتصالها بالأنشطة التجارية والمتمثلة في الحق في عدم التعرض للتمييز ومصالح الطفل الفضلى والحق في الحياة والبقاء والنمو وحق الطفل في الاستماع إليه، لتخلص اللجنة في ذات التعليق العام إلى اقتراح إطار للتنفيذ يرتكز على التدابير التشريعية والتنظيمية وتدابير الإنفاذ وحقوق الطفل والعناية الواجبة من المؤسسات التجارية وتدابير الانتصاف والتدابير السياساتية وتدابير التنسيق والرصد وتدابير التعاون والتوعية.
حضرات السيدات والسادة
لكون مؤتمرنا هذا يهم منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، التي تعيش على وقع تحولات غير مسبوقة لا داعي للتفصيل في سماتها وتبعاتها والأضرار الناجمة عنها، اسمحوا لي أن أقترح عليكم أيضا أهمية استحضار المبدأ رقم 7 من المبادئ التوجيهية السالفة الذكر والذي ينص على أنه: "بما أن خطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يتضاعف في المناطق المتأثرة بالنزاع، ينبغي للدول أن تساعد في كفالة ألا تشارك في هذه الانتهاكات المؤسـسات التجاريـة العاملة في تلك السياقات، وذلك بوسائل منها: (أ) المشاركة مع المؤسسات التجارية في مرحلـة مبكـرة قـدر الإمكـان لمساعدتها في تحديد ومنع وتخفيف ما تنطوي عليه أنشطتها وعلاقاتها التجارية من مخـاطر متصلة بحقوق الإنسان؛ (ب) تقديم المساعدة الكافية إلى المؤسسات التجارية لتقييم ومعالجة مخـاطر الانتهاكات المضاعفة، وإيلاء اهتمام خاص للعنف القائم على نوع الجنس والعنف الجنسي على السواء؛ (ج) حرمان المؤسسات التي تشارك في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وترفض التعاون في معالجة الوضع من الحصول على الدعم والخدمات العامة؛ (د) كفالة فعالية سياساتها وتشريعاتها وأنظمتها وتدابير إنفاذها الحالية في معالجة خطر مشاركة الأعمال التجارية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
معذرة إن أطلت في الحديث، ولكن دعوني في نهاية هذه الكلمة، أن أنوه إلى أهمية استلهام معنى المجهود العالمي المتجه نحو إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذا الحقوق البيئية ومستلزمات أهداف التنمية المستدامة كإطار أشمل لمقاربة هذا الموضوع - رغم ما يحيط بهذا المجهود من أخطار التراجع عن المتحقق كمكتسبات إنسانية-. وعطفا على ذلك، يبدو لنا، أن ربح رهان تحقيق مبدأ عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزيء وكذا ترابطها وشموليتها، في أي مجهود وطني، إقليمي أو دولي للوفاء بالالتزامات المترتبة عن انخراطنا الطوعي والإرادي في هذا المسعى، لن يستقيم إلا بالالتزام والانكباب الجدي على الإعداد التشاركي للخطط الوطنية المأمولة بشأن حقوق الإنسان في نطاق الأعمال التجارية، ولم لا التطلع إلى استشراف أفق البحث عن ممكنات تلمس تفكير وضع لبنات إعداد خطة إقليمية لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط في هذا المجال، عبر تعبئة خبرات مؤسساتنا الوطنية لحقوق الإنسان والمقاولات الوطنية.
ويحدونا الأمل ونتطلع إلى أن تلعب، البرلمانات الوطنية والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها التنظيمات الاجتماعية في دول المنطقتين، أدوارا ريادية في سبيل تحقيق هذا المبتغى.
تلكم، حضرات السيدات والسادة بعض عناصر التفكير التي وددت تقاسمها معكم، وشكرا على حسن الإصغاء.