- الأربعاء 9 ماي 2018، بقاعة الندوات -مجلس المستشارين -
السيد رئيس فريق العدالة التنمية المحترم؛
السيد وزير العدل المحترم؛
السيد الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الكريم؛
يسعدني أن أشارك معكم في الجلسة الافتتاحية لهذا اليوم الدراسي الهام بخصوص "مشروع القانون 38.18 المتعلق بالتنظيم القضائي"، الذي يعتبر من أهم القوانين التي تهدف إلى إصلاح منظومة القضاء، فرغم العديد من الإصلاحات والتعديلات التي عرفها هذا القطاع منذ الاستقلال إلا أنها للأسف لم تحقق الأهداف المتعلقة بإرساء قواعد الحكامة والاستقلالية والنجاعة، وأصبحت بعد الإصلاح الدستوري لسنة 2011 متجاوزة وغير منسجمة مع الوضعية المفروض أن يكون عليها القضاء الذي ارتقى به الدستور الحالي إلى سلطة قضائية مستقلة. لذلك أصبح مراجعة التنظيم القضائي أولوية قصوى وذلك وفق أسس جديدة قادرة على ضمان النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي وأنواع الهيئات القضائية لتحقيق الأمن القضائي والحكامة الجيدة في إطار دولة الحق والقانون.
ونثير الانتباه إلى أن هذا المشروع تأخر في الصدور خصوصا وأنه تمت المصادقة عليه بالأغلبية في الغرفة الأولى منذ 7 يونيو 2016، ويبدو أنه أخذ ما يكفي من الوقت والتشاور، وبالتالي من المفروض فيه، عمليا وواقعيا، أن يعكس ويبلور "توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي تم اعتماده منذ 30 يوليوز 2013"، المتعلقة بالتنظيم القضائي والخريطة القضائية الذي أكد على أن التنظيم القضائي الحالي يفتقد للانسجام بحكم التعديلات المتلاحقة التي طالت مقتضياته القانونية. كما أنه لا يساعد على الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية ولا يضمن القرب الحقيقي من المتقاضين، إضافة إلى تضخم الخريطة القضائية كما أنها غير معقلنة، ينضاف إلى ذلك عدم تعميم القضاء المتخصص. لذلك تضمن ميثاق إصلاح منظومة العدالة عدة توصيات تستهدف ضمان فعالية منظومة العدالة وتقريبها من المتقاضين وتسهيل الولوج إليها.
ولا يفوتنا هنا التذكير "بالعناية الفائقة" التي يوليها صاحب الجلالة، نصره الله، لإصلاح هذا القطاع "الذي جعله في صدارة الأوراش الإصلاحية الكبرى التي قادها، إيمان من جلالته بأن العدل هو قوام دولة الحق والمؤسسات وسيادة القانون وتحفيز الاستثمار.
هل فعلا ستستطيع المستجدات التي جاء هذا المشروع إرساء مقاربة فعال لتحقيق الحكامة القضائية في دواليب الجهاز القضائي؟
حضرات السيدات والسادة؛
إننا نؤمن أن أي إصلاح لمنظومة القضاء يجب أن يكون على أساس تكريس استقلال السلطة القضائية وعلى وحدة القضاء وعلى تقريبه من المتقاضين وتسهيل ولوج المواطنين إلى العدالة وتحقيق نجاعة الإدارة القضائية بما يضمن حقوق المتقاضين، وأن يتم ضمان أقصى درجات التدقيق في قواعد عمل الهيئات القضائية ضمانا لاستمرارية الخدمة القضائية، من خلال تكريس تنظيم داخلي يقوم على رسم، بدقة، حدود واختصاصات كل الهيئات التي ستكون الفضاء القضائي من قبيل ما جاء بها المشروع كمكتب المحكمة والجمعية العامة وصولا إلى مختلف الأجهزة الإدارية والقضائية القائمة على هذا المرفق.
لذلك فإن إصلاح القضاء وتأهيل الهياكل القضائية والإدارية يستلزم اتخاذ عدة إجراءات من بينها" اعتماد خريطة وتنظيم عقلاني، مستجيب لمتطلبات الإصلاح"، وإلزامية توفير متطلبات النجاعة القضائية على مختلف درجات التقاضي وأنواع الهيئات القضائية، بما يمكن من توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق وعمادا للأمن القضائي والحكامة الجيدة ومحفزا للتنمية.
كما أن أي تعديلات أو مستجدات يجب أن تخدم منظومة العدالة على مستوى مختلف مكونات المحاكم سواء الابتدائية الاستئنافية، أو الإدارية التجارية، أو محكمة النقض. وكذا على مستوى التفتيش القضائي والإداري والمالي للمحاكم. وبالخصوص أن هذا المشروع جاء في سياق الإصلاحات التي تعرفها منظومة العدالة (كإرساء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، واستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل) والتي يجب تدعيمها وتقويتها بمزيد من الإصلاحات الأخرى التي يجب أن تتوافق مع مبدأ الرفع من النجاعة القضائية، من قبيل:
- تحديث الإدارة القضائية واعتماد الإدارة الالكترونية في الإجراءات والمساطر القضائية؛
- تبسيط الإجراءات المسطرية للمتقاضين؛
- إحداث غرف متخصصة وتوسيع مجال القضاء الجماعي في بعض القضايا الخاصة، وتعزيز ثقافة التصالح والتعاون وتشجيع اللجوء إلى مسطرة لحل النزاع عن طريق الصلح؛
- إحداث قضاء القرب كتجسيد للحكامة القضائية؛
- تعميم القضاء المتخصص؛
- تكوين قضاة متخصصين في الجنحي والعقاري، وقانون الشغل، وما يتعلق بقضايا الصحافة والإعلام والاتصال، في بعض المحاكم؛
- مراعاة مبدأ التخصص عند تعيين القضاة؛
- الجمع بين القاضي المتخصص والمحكمة المتخصصة لتحقيق النجاعة القضائية المنشودة؛
- الأخذ بعين الاعتبار الزمن الكافي للسادة القضاة من أجل تحرير الأحكام القضائية مع مراعاة أنسنة القضاة وضمانا لحقوق المتقاضين؛
- الاعتراف بالدور الفعال للمهن القضائية باعتبارها تعد من مساعدي القضاء ويعتبر اشراكهم في لجان البحث ودراسة صعوبات سير العمل بالمحاكم أمرا ضروريا وحاسما؛
كما لا يفوتني بالمناسبة أن أذكر بضرورة أخذ البعد الجهوي في أي خريطة وتنظيم قضائي مستقبلي، انسجاما مع ورش الجهوية المتقدمة الذي تبناه المغرب كخيار استراتيجي لإعادة النظر في بنية وهياكل الدولة.
حضرات السيدات والسادة؛
إن القضاء باعتباره مؤسسة تسهر على تطبيق القوانين وتفعيلها والبث في المنازعات باختلاف طبيعة موضوعها وأطرافها لا يمكن لها القيام بدورها ما لم يوجد إطار قانوني فعال وجيد ومنسجم يؤطر عملها ويحدد الاختصاصات و يضمن استقلاليتها عن باقي السلط والتأثيرات لتجاوز الإشكالات التي يعرفها التنظيم القضائي الحالي، وبناء عليه تعتبر الحكامة القضائية مقدمة كل إصلاح مرتقب للجهاز القضائي، وهذا الشرط يتأسس على الاستقلالية والحيادية والشفافية والفعالية في العمل القضائي، وانعدام سيادة منطق التعليمات بما يمكن من توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف ونزيه .
وفي الأخير أتمنى النجاح لأشغال هذا اليوم الدراسي، الذي مما لا شك فيه أنه ستصدر عنه توصيات ومقترحات لإغناء هذا المشروع.
وشكرا على حسن الإصغاء، والسلام عليكم.