الكلمة الافتتاحية للسيد رئيس مجلس المستشارين،
ذ.حكيم بن شماش
خلال اليوم الدراسي المنظم من طرف الفريق الحركي بمجلس المستشارين؛
حول موضوع:" تنمية المناطق القروية والجبلية، فرص وتحديات"
يوم الثلاثاء 24 يوليوز2018، قاعة الندوات، مجلس المستشارين.
السيد الأمين العام للحركة الشعبية المحترم؛
السيد رئيس الفريق الحركي بمجلس المستشارين المحترم؛
السيد كاتب الدولة المكلف بالتنمية القروية والمياه والغابات؛
حضرات السيدات والسادة الأفاضل، أيها الحضور الكريم؛
في البداية أتوجه بالشكر الجزيل والامتنان العميق لفريقكم المحترم على الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا اليوم الدراسي حول موضوع: "تنمية المناطق القروية والجبلية، فرص وتحديات"، والذي نعتبره موضوعا ذا أهمية خاصة ويحضى بالأولوية لدى جميع الفاعلين، حكومة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني، لارتباطه الوثيق بظروف عيش عدد هام من المواطنين الذين يستقرون في هذه المناطق ، حيث تمثل ساكنة الوسط القروي 39.6% من مجموع ساكنة المغرب،و تبلغ حوالي 13.4 مليون نسمة حسب الإحصاء الأخير للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2014. كما يسجل أن الجبال تغطي في بلادنا حوالي 21 بالمائة من مجموع التراب الوطني (حوالي 41 إقليما و738 جماعة.). وللتذكير فقد خصص مجلسنا إحدى محاور جلساته الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة لموضوع تنمية المناطق القروية والجبلية خلال شهر دجنبر من السنة الماضية 2017.
وكما لا يخفى عليكم تكتسي هذه المناطق في بلادنا أهمية كبيرة بالنظر إلى ما توفره من موارد طبيعية ومائية مهمة، كما أنها تتوفر على إمكانيات فلاحية متعددة وعلى غابات ومراعي ومناجم تلعب أدوارا أساسية في حياة الساكنة القروية بشكل خاص وفي اقتصاد البلاد بشكل عام. كما أنها تتسم بالغنى والتنوع البيئي والثقافي وهي مناطق زاخرة بثروات ثقافية وموروث له قيمة كبرى يمكنه، إذا ما تم استغلاله بشكل جيد وذكي، أن يشكل، في المستقبل، فرصة للتنمية بالنسبة للساكنة ولهذه المناطق، كما لا يجب أن نغفل ما تتوفر عليه من إمكانات كفضاء للاستجمام والسياحة وللثقافة التاريخية.
وللإشارة تشكل التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة للمناطق القروية والجبلية، منذ سنوات خلت، رهانا كبيرا بالنسبة لأغلب دول المعمور وبالخصوص بالنسبة للدول السائرة في طريق النمو. ولذلك فإن الدول مدعوة إلى بلورة سياسات عمومية جديدة ومتجددة لصالح تلك المناطق الهشة التي تتعرض لتأثير عوامل متعددة وفي مقدمتها التغيرات المناخية والإستغلال المفرط لمواردها الطبيعية وكذا ضعف في طرق وأساليب التسيير والتدبير والحكامة.
ففي الحالة المغربية، وبالرغم من أن هذه المناطق تعتبر من أهم المناطق غنى وتنوعا من حيث الموارد الطبيعية والاجتماعية والثقافية… إلا أنها تعتبر كذلك من أضعف المجالات الجغرافية استفادة من التنمية، وكما لا يخفى عليكم فرغم كل المجهودات والبرامج والاستثمارات التي قامت بها الحكومات السابقة في بعض المجالات ،من أجل إخراجها من عزلتها وإدماجها في السياسة الوطنية للتنمية ولإعداد التراب الوطني وتحسين ظروف ومستوى عيش السكان، كالطرق والماء الشروب(بلغ حولي 96 % ) والكهرباء (بلغ حوالي 99,47 %)، إلا أن هذه المناطق ماتزال تعاني من الخصاص والعجز البنيوي جراء السياسات المتبعة والتي لم تنجح من إخراج الساكنة القروية بشكل عام وساكنة الجبال بشكل خاص من العزلة ومن نقص وصعوبة الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومواجهة الإكراهات الناتجة عن التحولات المناخية وتوالي مواسم الجفاف ومحدودية الموارد المالية في بعض هذه المناطق ، وكذا محدودية الوصول إلى التكنولوجيا والبحث العلمي وخدمات التوجيه والإرشاد والتربية ، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى الأسواق بسبب ضعف البنيات الطرقية وعدم توفر وسائل النقل المناسبة. مما يستلزم مضاعفة الجهود من أجل تسريع وتيرة إنجاز البنيات التحية وتعزيز ولوج هذه المناطق إلى المرافق العمومية الأساسية والحيوية لفك العزلة عن الكثير منها وتحسين المستوى المعيشي لساكنتها.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
نعتبر هذا اليوم الدراسي، أولا مناسبة للوقوف على الفرص المتاحة لتحقيق تنمية مندمجة لهذه لمناطق، وثانيا فرصة لمساءلة وتقييم البرامج الحكومية والسياسات العمومية ذات الصلة بتنمية وتأهيل هذه المناطق من قبيل:الاستراتيجية الوطنية لتنمية المناطق الجبلية بالمغرب،ومخطط المغرب الأخضر، ووضعية و مستقبل شباب هذه المناطق، ثم الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للمرأة ، وكذا ما تم القيام به لتنمية الفلاحة المقاومة للتحولات المناخية والحفاظ على الموارد الطبيعية. فضلا عن مساءلة وتقييم ما تم القيام به ،في مجال إعداد التراب الوطني والتعمير، لتأهيل وتنمية المراكز القروية الصاعدة وإنجاز وثائق التعمير لفائدتها، كما يطرح التساؤل في هذا السياق حول واقع ومآل البرنامج الوطني للمراكز القروية الصاعدة (2018-2021) الذي وعدت الحكومة بإعداده، من أجل التقليص من آثار الهجرة القروية وتنظيم التنمية الترابية لهذه المراكز وتحسين مستوى عيش ساكنتها عبر تلبية الاحتياجات في مجال الإسكان والخدمات الاجتماعية والصحة والترفيه والتعليم.... وأيضا يطرح التساؤل حول ما تحقق من برنامج المساعدة المعمارية لفائدة العالم القروي بتزويد الساكنة بالتصاميم المعمارية مجانا وإنجاز تصاميم إعادة هيكلة الدواوير الذي وعدت أيضا الحكومة بإطلاقه. وأيضا أين وصل تنزيل كل من برنامج تنمية العالم القروي في إطار تقليص الفوارق المجالية بالوسط القروي ، الذي يهم الفترة الممتدة ما بين 2017 -2023، وذلك تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، وأيضا ما أطلقت عليه الحكومة اسم "البرنامج المندمج لتنمية المناطق الجبلية". والتي ستهم المناطق الجبلية (41 إقليما و738 جماعة).
وفي الأخير ، نعتقد أن أية سياسة تنموية تروم النهوض بهذه المناطق لتحقيق الأهداف المنتظرة، يجب أن تنطلق من الواقع المعيش للسكان، أي أن تنطلق من الإنسان المحلي وترجع إليه. لذا وجب بلورة مشاريع ترابية إجرائية تسعى إلى تحقيق التنمية المحلية والمستدامة وتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية، وهذا يستلزم تعبئة كل الطاقات و كل الفاعلين الرسميين والمدنيين من أجل التفكير في إشكالات وعوائق تنمية هذه المناطق، والعمل على اتخاذ المبادرات الموجهة لفك عزلتها ولدعمها وتنميتها وبالخصوص تلك الموجهة لصالح ساكنتها، وأساسا من خلال تحسيسها ومرافقتها لتواصل القيام بأنشطة اقتصادية وبإنتاج فلاحي ينبني على احترام البيئة، وتشجيعها على إبداع والقيام بأنشطة بديلة ومستدامة ومكملة ستمكنها من ضمان دخل كريم ويكتسي طابع الديمومة في مجالات السياحة البيئية والسياحة القروية والجبلية. كما أنه لا بد من إبداع وتطوير معارف وتقنيات وإجابات فعالة ومنصفة يمكنها أن تكون ذات نفع كبير بالنسبة للتأقلم مع التحولات المناخية وتقوية القدرة على مقاومة الضغوطات الناجمة عن هذه التحولات، وتقلل أيضا من مخاطر المناخ، وتحسين النظام المائي والإيكولوجي وتعزيز الخدمات البيئية.ولا يجب ان نغفل في هذا الاطار دور الجامعة والباحثين وإشراكهم من أجل إنجاز مشاريع بحثية تروم تحسين القدرة على تكيف ساكنة هذه المناطق ومرونة النظم الإيكولوجية من خلال دمج وضع المناخ. وفي الاستراتيجيات وخطط العمل بيئية وتنموية. وأيضا لا بد من استثمار مقاربة النوع من خلال المشاركة الفعالة للمرأة في بلورة الأفكار والمشاريع وكذا تنفيذها.
هذه بعض الأفكار التي أريد تقاسمها معكم بخصوص هذا الموضوع، وأتمنى النجاح لأشغال هذا اليوم الدراسي وأن يتوج بتوصيات وخلاصات ذات قيمة مضافة تساهم في الإحاطة بكل جوانب تنمية المناطق القروية والجبلية، وتفتح آفاقا جديدة أمام تنميتها وإدماجها في المشاريع الوطنية للتنمية المستدامة. وشكرا على حسن إصغاءكم والسلام./.