معالي الأخ رئيس مجلس الشورى،
شكرا معالي الرئيس، وشكرا لدولة قطر على استضافتنا وعلى جودة ودقة التنظيم
حضرات السيدات والسادة،
أود في البداية أن أشكر رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي وأنوه بمبادرة اختيار موضوع التعليم في ارتباطه بتعزيز السلم والأمن وسيادة القانون.
الموضوع يكتسي أهمية بالغة بل وحاسمة في ظل ما يشهده عالمنا اليوم من متغيرات ومن أوضاع مضطربة بما يترتب وسيترتب عليها حتما من تهديدات وتحديات، وشديدة القسوة على البشرية والكوكب معا.
واقعيا، يعيش عالمنا تحولات عميقة وتحديات متنامية على كافة المستويات. ويظل الوضع السياسي المضطرب
الهش والمتغير وانحباس البدائل الرامية إلى التغيير، في عدد من مناطق العالم عدونا الرئيسي كشعوب وكبرلمانيين يفترض أننا نعبر عن تطلعاتها. وتكمن خطورة هذا الوضع ليس فقط في انتشار التوترات والنزاعات وتفاقم التهديدات الأمنية والارهابية، ولا في تنامي النزاعات العرقية والدينية وانتشار ثقافة الكراهية وتصاعد الشعبويات واتساع رقعة الشبكات الإجرامية المتخصصة في تجارة الأسلحة والمخدرات وتهريب السلع والاتجار في البشر وتنامي تدفقات الهجرة واللجوء، ولكن الخطورة تكمن، فوق هذا وذاك، في سيادة وانتشار حالات مخيفة من عدم اليقين في مناطق واسعة من العالم.
ومما لاشك فيه أن الأسباب التي تغذي استمرار هذه التحديات، هي أسباب متعددة ومتنوعة، ومن المؤكد ان احدى أهمها على الاطلاق هو وجود اختلالات وأعطاب على مستوى منظومات التربية والتعليم في عدد من الدول وفي حالات انماط ثقافية عابرة للحدود.
إن كلفة انتشار واستمرار النزاعات والتوترات يعود سببها إلى استمرار هيمنة ثقافة الكراهية ورفض الآخر.
اسمحوا بالاستشهاد بتقرير رسمي أممي واحد. فحسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 19 شتنبر 2017 المرفوع إلى الجمعية العامة في دورتها الثانية والسبعون، فقد خصصت الأمم المتحدة "ميزانية لعمليات حفظ السلام بلغت 7.87 بلايين دولار. وعلى الصعيد العالمي، كلّف العنفُ العالمَ 14.3 ترليون دولار في عام 2016، أي حوالي 12.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ، وفقاً لتقديرات مؤشر السلام العالمي. وكانت حالة البلدان العشرة الأقل تمتعا بالسلام في العالم أسوأ بكثير: فقد كان الأثر الاقتصادي للنزاع فيها يعادل 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي". وأمام هذا الوضع وفي ظل هذه المعطيات أكد الأمين العام "أن الطرق التقليدية في التعامل مع النزاعات قد فشلت، بغض النظر عن الأموال الطائلة المنفقة".
حضرات السيدات والسادة،
ان السياقات والمتغيرات الجيو-سياسية على الصعيد العالمي وما تنطوي عليه من تحديات والتفاقم آخذة تضع على عاتقنا مسؤولية الاشتغال على المشترك الكوني الذي يجمعنا. وفي اطار هذا المشترك تبرز الحاجة للنهوض بالتعليم والتربية وتوسيع مساحات الالتزام بالقيم الإنسانية المشتركة. هذا هو السبيل الأفضل والأضمن لتأمين أجيالنا القادمة من المخاطر المحدقة بها. وضمن نفس المنحى، يكتسي تعزيز الحوار والتبادل بين الأمم والشعوب أهمية قصوى .
اسمحوا لي بأن أستشهد هنا بما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله حين خاطب قداسة البابا خلال استقباله الشعبي والرسمي بأرض المغرب كمملكة للتسامح، يوم 30 مارس الماضي، حيث قال جلالته"ففي الوقت الذي تشهد فيه أنماط العيش تحولات كبرى، في كل مكان، وبخصوص كل المجالات، فإنه ينبغي للحوار بين الأديان أن يتطور ويتجدد كذلك. لقد استغرق الحوار القائم على “التسامح” وقتا ليس بيسير، دون أن يحقق أهدافه. فالديانات السماوية الثلاث لم توجد للتسامح في ما بينها، لا إجباريا كقدر محتوم، ولا اختياريا من باب المجاملة؛بل وجدت للانفتاح على بعضها البعض، وللتعارف في ما بينها، في سعي دائم للخير المتبادل".
حضرات السيدات والسادة،
ان إحدى المداخل الرئيسية لتجاوز الأزمات التي يتخبط فيها العالم ومعالجة المخاطر المحدقة بأجيال المستقبل، تتمثل في التربية على السلم والمواطنة وبناء ثقافة السلام وتعزيز قيم التسامح ومكافحة خطاب الكراهية ومعادات الأجانب، وهو بالذات ما يشكل بالنسبة لنا بالمملكة المغربية خيارا استراتيجيا.
اسمحوا لي أن استشهد مرة ثانية بما قاله جلالة الملك محمد السادس حفظه الله أثناء استقباله لقداسة البابا
فرانسيس. قال جلالة الملك: " لمواجهة التطرف بكل أشكاله، فإن الحل لن يكون عسكريا ولا ماليا؛ بل الحل يكمن في شيء واحد، هو التربية. فدفاعي عن قضية التربية، إنما هو إدانة للجهل. ذلك أن ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوما الدين."
حضرات السيدات والسادة
علينا أن نكون صرحاء :
ان تزايد نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، وانتشار حالات عدم اليقين هو أمر يغذيه الجهل والانغلاق و الشعور بالظلم والإقصاء، ولكن علينا الإقرار بأنه امر تغذيه أيضا النزعات التسلطية والهيمنية لقوى دولية تصر على تحدي القانون الدولي والضمير العالمي كما هو حاصل مع صدور قرارات غاصبة لحقوق الشعب الفلسطيني من طرف دولة تقيم ويا للمفارقة تمثال الحرية فق أرضها، ومدعمة لغطرسة دولة الاحتلال.
نحن في المغرب أيادينا ممدودة لمزيد من التعاون والشراكة من أجل عالم أقل عنفا وأكثر عدلا .ومستعدون لتقاسم خبراتنا وتجاربنا الوطنية الرائدة في مجال مكافحة التطرف ونتطلع ان يسهم الاتحاد البرلماني الدولي في إعداد خطط برلمانية وطنية لتعزيز التربية على السلم والمواطنة وبناء ثقافة السلام .
وفي هذا الباب نود أن نركز على المحددات التالية:
-
مركزية إدماج المستويات الأمنية والروحية والتربوية والاجتماعية في مواجهة الظواهر المغذية للعنف والتطرف والإرهاب؛
-
الحاجة الملحة لرصد وتتبع أنماط التجديد والتكييف والتغييرات التي تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية باستمرار بما في ذلك الإرهاب الإلكتروني؛
-
تقوية دور التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية في مجالات مكافحة التمييز، وإقرار العدالة الاجتماعية، السياسات الهادفة إلى تأهيل الفقراء وضمان إدماج الفئات الهشة، التشريعات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، مكافحة خطاب الكراهية، حماية التنوع الثقافي؛
-
تعزيز آليات الديمقراطية التشاركية، والوسائل البديلة لحل المنازعات والوقاية منها؛
-
تقوية المنظومة الوطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها؛
-
دعم إرساء السياسات العمومية المندمجة المتعلقة بالشباب؛
-
تقوية السياسات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، ومكافحة التمييز؛
-
تعزيز السياسات المتعلقة بالتربية وتنمية المهارات والتشغيل؛
-
تعزيز السياسات المتعلقة بالتواصل الاستراتيجي والتواصل عبر الوسائط الاجتماعية. هذه مجالات حيوية يمكن لاتحاد برلماننا الدولي أن يبلور بشأنها خطة عمل. وإذا كان هناك من أولوية قصوى يجب التركيز عليها، فهي تعليم الفتيات والنساء، لأنه وكما قال عبد الحميد باديس "إذ علمت ولدا فقد علمت فردا، ولكنك إذا علمت بنتا فقد علمت أمة".
شكرا لكم حسن المتابعة والإصغاء.