السيد وزير الدولة المحترم؛
السيدة رئيسة المجلس الوطني المحترمة؛
السيدة ممثلة مؤسسة وستمنستر للديمقراطية المحترمة؛
السيدات والسادة المستشارين المحترمين؛
حضرات السيدات والسادة.
يطيب لي بداية الترحيب بكم وشكركم على تلبية دعوة المشاركة في أشغال هذا اليوم الدراسي والمنظم احتفاء بالذكرى الـ 71 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كوثيقة مؤسسة معياريا لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وأن أتقدم أيضا بالشكر الجزيل للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية على تعاونهم معنا في تنظيم هذا اللقاء حول موضوع "إسهام البرلمان في تتبع تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل".
وكما لا يخفى على علمكم فقد ساهم المغرب بشكل كبير منذ إحداث مجلس حقوق الإنسان في اعتماد وترسيخ آلية الاستعراض الدوري الشامل،التي تهدف إلى فحص منجزات كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.
وجدير بالذكر أن المغرب قد أنيط به دور "الميسر" منذ تأسيس آلية الاستعراض الدوري الشامل، وخلال البناء المؤسساتي لمجلس حقوق الإنسان بين سنتي 2006-2007،كما تم تكريس هذا الدور خلال تقييم عمل الآلية عند نهاية الولاية الأولى سنة 2011.
إن تفاعل المغرب مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان بشكل عام، ومع آلية الاستعراض الدوري الشامل بشكل خاص، يعرف تطورا مستمرا، يترجم توجهه إلى مواصلة الجهود الرامية لتعزيز حماية حقوق الإنسان والنهوض بها.
ويعد المغرب من المجموعة الأولى للدول التي قدمت تقريرا في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل سنة 2008 برسم الجولة الأولى وتقريرا ثانيا سنة 2012 برسم الجولة الثانية،وتقريرا نصف مرحلي بشكل طوعي سنة 2014 يتعلق بتقدم تنفيذ التوصيات الصادرة عن الجولة الثانية، كما قدم المغرب تقريرا ثالثا سنة 2017 برسم الجولة الثالثة.
وقد عرف تفاعل المملكة مع آلية الاستعراض الدوري الشامل تقدما ملحوظا من حيث عدد التوصيات التي قبلها المغرب، والذي انتقل من 11 توصية في الجولة الأولى سنة 2008، إلى140 توصية في الجولة الثانية سنة 2012،وصولا إلى 191 توصية في الجولة الثالثة سنة 2017.
حضرات السيدات والسادة
طبقا لمقتضيات دستور 2011 كميثاق للحقوق والحريات والذي جعل من حقوق الإنسان قيمة مرجعية ومن الاختيار الديمقراطي وسيادة القانون مذهبا للدولةوبغرض تعزيز هذه الاختيارات، حرصنا – كمؤسسة تشريعية- على مرافقة هذا التوجه عبر اعتماد النظام الداخلي لمجلس المستشارين والتنصيص على العلاقة مع مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية و المستدامة والديمقراطية التشاركية المنصوص عليها دستوريا.
ففضلا عن وجوب تقديم هذه المؤسسات لتقاريرها ومناقشتها من قبل مجلسي البرلمان، يجوز لنا بموجب مقتضيات الباب السادس من النظام الداخلي (رئاسة ومكتبا وفرقا برلمانية أو لجان دائمة) أن نطلب من المؤسسات الدستورية بذل المساعدة والاستشارة بخصوص مشاريع القوانين أو الاتفاقيات الدولية ومقترحات القوانين المعروضة على المجلس وما سيتتبعها من إدراج آراء تلك المؤسسات ضمن تقارير اللجان الدائمة المرفوعة إلى الجلسة العامة؛ وفي نفس المنحى تضمن ذات المقتضيات إمكانية عرض تقرير أو تقارير إحدى هذه الهيئات أو المؤسسات الدستورية على لجنة دائمة بالمجلس أو مشتركة بين مجلسي البرلمان.
ويندرج هذا الاختيار ضمن منطق ترشيد الحكامة البرلمانية والسعي الحثيث نحو تجويد التشريع الوطني وملائمته مع معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان وتعزيز أدوار المؤسسة التشريعية في تقييم السياسات العمومية عبر تعبئة الخبرة الوطنية، من جهة وكذا من منطلق التفعيل العملي لمبادئ بلغراد الناظمة لعلاقة البرلمانات بالمؤسسات الوطنية من جهة أخرى.
وقد تعززت هذه المقتضياتبقراري المجلس الدستوري (رقم 924 بتاريخ 22 غشت 2013 و رقم 929 بتاريخ 19 نونبر 2013) القاضيين بمطابقة مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب مع أحكام الدستور، والتي شكلت لحظة مميزة بالنسبة لعلاقة المؤسسة التشريعية مع باقي المؤسسات الوطنية المعنية بالحقوق والحريات مؤسسة بذلك لعلاقة مضبوطة بين مجلسي البرلمان والمؤسسات الوطنية الوارد ذكرها في المواد من 161 إلى 170 من دستور المملكة المغربية.
حضرات السيدات والسادة،
إن انخراط بلادنا في كونية حقوق الإنسان كمسار عالمي مشترك يتوازى مع وعينا بالرهانات الحقوقية الكبرى وأجندتها الدولية والمساهمة الفعالة فيها. فإذا كانت مجهوداتنا وسعينا الحثيث لتجويد تشريعاتنا الوطنية وخاصة في مجال ملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية والرقي بمراقبة وتقييم السياسات العمومية من منظور مرتكز على حقوق الإنسان وتعزيز التملك المشترك للقيم الديمقراطية والحقوقية الكونية تشكل انشغالا مستمرا لدينا، فمع ذلك ما زالت تنتصب أمامنا تحديات مركزية ذات أبعاد وطنية ودولية.
فعلى المستوى الوطني:
- نتطلع في مجلس المستشارين إلى الاضطلاع بدور مضطرد في مواكبة الممارسة الاتفاقية للمغرب سواء في الجانب المتعلق بتوصيات والملاحظات العامة لأجهزة المعاهدات أو متابعة خلاصات واستنتاجات المكلفين بالولايات الموضوعاتية برسم الإجراءات الخاصة وكذا توصيات الاستعراض الدوري الشامل والالتزامات الطوعية لبلدنا مما يقتضي منا رفع تحدي المأسسة العمودية والأفقية لحقوق الإنسان بالمؤسسة التشريعية واستثمارها في مجهود الملائمة وتجويد التشريع؛
- نتطلع في مجلس المستشارين إلى إعمال الذكاء الجماعي الوطني –بمعية شركاؤنا- بغية التوافق حول مبادئ مرجعية وتوجيهية لتقييم موضوعي وبناء على مؤشرات قياس الأثر للسياسات العمومية ومدى استجابتها لحقوق الإنسان؛
- نتطلع في مجلس المستشارين إلى مأسسة آليات التعاون مع مكونات الطيف المجتمعي بما فيها منظمات المجتمع المدني وباقي أصحاب المصلحة غير الممثلين بالمجلس لضمان اطراد المجهود الترافعي والاقتراحي لهذه التنظيمات الاجتماعية تعزيزا لنشر وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان.
وعلى المستوى الدولي:
- يتعين من منظورنا، واستثمارا لقرارات الجمعية العامة (2012 و 2014) وقرار مجلس حقوق الإنسان (مارس 2013) ذات الصلة بتفاعل البرلمانات الوطنية مع قضايا حقوق الإنسان، إعمال الاجتهاد المعياري والمسطري قصد استكمال مسار إصلاح منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بغية المزيد من الاعتراف بمكانة ودور البرلمانات في المنظومة على غرار المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية في أفق اعتماد نصوص تصريحية وتوجيهية تتضمن تدابير تيسيرية تنحو نحو توسيع نطاق " أصحاب المصلحة" ليشمل بشكل منهجي البرلمانات وتنويع أشكال مشاركتها في أشغال مجلس حقوق الإنسان؛
- يجذر من منظورنا، من باب الأولى، أن تعمل أجهزة المعاهدات وأصحاب الولايات برسم الاجراءات الخاصة على إدراج البرلمانات الوطنية ضمن لائحة المعنيين بالاستشارات التي تطلقها حول قضايا حقوق الإنسان المندرجة ضمن ولايتها، على أن يتبع ذلك بدراسة إمكانيات استصدار توصيات أو ملاحظات عامة – بمناسبة استعراضها للتقارير الوطنية أو تفسير المقتضيات الاتفاقية- حول كيفيات وشروط مشاركة البرلمانات الوطنية في مختلف أطوار عملها.
تلكم، حضرات السيدات، بعض الأفكار التي وددت تقاسمها معكم، وتوخيا للاختصار، فسنقترح عليكم في نهاية أشغال هذا اليوم الدراسي مشروع خارطة طريق المساهمة البرلمانية في تتبع تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل قصد الإغناء، وشكرا على حسن الإصغاء.