الجلسة الافتتاحية للمنتدى البرلماني الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية حول موضوع :"توسيع الطبقة المتوسطة قاطرة للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي" المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره اللهوبشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
حضرات السيدات والسادة؛
يسعدني أن أرحب بكم جميعا، كل باسمه وبصفته، في الدورة الخامسة للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية التي دأب مجلس المستشارين على تنظيمه، كل سنة، احتفاءا باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، حيث عملنا على إرساء تقليد سنوي للاحتفاء بهذا الموعد الأممي من خلال تنظيم هذا المنتدى، تحت الرعاية الملكية السامية، بغية تكريسه كثقافة في النسيج المؤسساتي الدستوري لبلادنا. وتحدونا في ذلك الرغبة في أن تكون للمجلس مساهمة إيجابية في مسار بناء النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية، تفعيلا للأدوار المنوطة بالبرلمانات الوطنية في مجال العدالة الاجتماعية كما أقرها الاتحاد البرلماني الدولي في العديد من قراراته.
وانسجاما مع هذاالاختيار الاستراتيجي يأتيتنظيم الدورة الخامسة لهذا المنتدى الذي نعقده، مرة أخرى ، بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبدعم من مؤسستي وستمنستر للديموقراطية البريطانية و كونراد أديناور الألمانية، في موضوع لا تخفى عليكم راهنيته وأهميته:"توسيع الطبقة الوسطى قاطرة للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي"، وذلك في سياق النقاش العمومي والمجتمعي التعددي الذي تعرفه بلادنا حول النموذج التنموي الجديد، حيث يعتبر الرهان على الأدوار الحيوية للطبقة الوسطى عنصراً هاماً لبناء هذا النموذج من أجل مجتمع يسوده التوازن والاستقرار والعدالة الاجتماعية.
وكما يعلم الجميع،فلقد سبق لصاحب الجلالة، نصره الله، في خطابه بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز 2008، أن أعطى تعليماته للحكومة من أجل الحرص على"ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي للحكومة هو توسيع الطبقة الوسطى، لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع" . كما أوضح جلالته، خلال افتتاح البرلمان سنة 2018 ، أن: "غايتنا انبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية، وجعلها عامل توازن ورافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على غرار الدور المهم للطبقة الوسطى في المدن".
وأعاد جلالته التأكيد، في خطابه السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت 2019)، على أهمية الطبقة الوسطى التي تشكل قوة إنتاج وعامل تماسك داخل المجتمع حيث قال جلالته "إن المجتمع مثل البيت، متكامل البنيان، أساسه المتين هو الطبقة الوسطى، بينما تشكل الطبقات الأخرى باقي مكوناته"، وقد أبرز جلالته على أنه نظراً لأهمية هذه الطبقة في "البناء المجتمعي، فإنه يتعين العمل على صيانة مقوماتها وتوسيع قاعدتها وفتح آفاق الترقي منها وإليها" مشدداً جلالته على أن هذه التحديات "لن يتم رفعها إلا بتحقيق مستويات عليا من النمو وخلق المزيد من الثروات وتحقيق العدالة في توزيع ثمارها".
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
احدى المسلمات الرائجة على نطاق واسعأن الطبقة الوسطى تلعب أدوارا أساسية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مختلف بلدان العالم، ويتفق علماء الاجتماع على أن حجم الطبقة الوسطى في أي مجتمع يحدد حالة استقراره، بل ان من هؤلاء من يقيم نمطا من العلاقة الجدلية بين حجم هذه الطبقة وحالة الاستقرار والأمن والسلمالمجتمعي.ومن الزاوية الاقتصادية، تذهب الكثير من الدراسات المتخصصة الى التأكيد على أن هذه الطبقة تعتبر محركا اقتصاديا مؤثرا، وذلك بالنظر إلىقدرتها الكبيرة على تعزيز مسارات خلق الثروة عبر المساهمة في الانتاج وكذلك الاستهلاك والطلب الداخلي. ويعتبر تطويرها وتوسيع قاعدتها، بنظر هؤلاء، عاملا محددا في نجاح كل السياسات العمومية والأجندات التنموية.
في بلادنا: المغرب، نسجل محدودية وندرة الدراسات والأبحاث المنجزة حول تحديد حجم وخصائص الطبقة الوسطى ومكانتها ضمن البنية الديمغرافية للبلد،بالإضافة الى غياب قاعدة بيانات محينة باستمرار.
وبالعودة الى التقارير المؤسساتية (وهي نادرة أيضا بالمناسبة)، فان الطبقة الوسطى ببلادنا انتقلت - حسب آخر دراسة للمندوبية السامية للتخطيط - من نسبة 53% من الساكنة سنة 2007 إلىأزيد من 58.7%: أي حوالي 19مليون مواطن مغربي ،بينهمحوالي 13 مليون بالعالم الحضري وحوالي 6 مليون بالعالم القروي.
وبالرغم من التساؤلات بل والشكوك المثارة حول صدقية ودقة هذه المعطيات ومدى استيعابها للواقع المتحرك لهذه الطبقة ، اجتماعيا واقتصاديا، على اعتبار أن الطبقة الوسطى بحد ذاتها تتشكل من شرائح مختلفة يمكن تصنيفها تقنيا الى طبقة/ شريحة وسطى عليا قريبة من الطبقة الغنية وطبقة / شريحة وسطى سفلى أقرب للطبقة الفقيرة، فان المؤكد أن هذه الأرقام مرشحة للتحول السريع في السنوات المقبلة خاصة مع التغيراتالاقتصادية الكبيرة التي تقبل عليها بلادنا، والتحولات الديمغرافية المتسارعة التي سنشهدها بفعل تغير البنية الديمغرافية الوطنية ودخول مرحلة الاستفادة مما يسميه الديمغرافيون بالعائد الديمغرافي.
وفي تقريره الصادر سنة 2017 تحت عنوان"المغرب في أفق 2040، الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي"،فان البنك الدولي ينطلق من فرضية أن الأسرة المعيشية يمكن أن تلج إلى الطبقة الوسطى عندما تتوفر على دخل للفرد الواحد يعادل10دولارات أمريكية في اليوم الواحد، أي 1,200 دولار أمريكي شهريا لأسرة مكونة من أربعة أفراد. وطبقا لهذه الفرضية،فإن 25 بالمائة فقط من ساكنة المغرب تنتمي إلى هذهالطبقة الوسطى؛ وهذه حالة فريدة من نوعها مقارنة بأهمية الطبقة الوسطى في الدول الناشئة (50 بالمئة في البرازيل أو تركيا أو في البلدان التي توفقت في إقلاعها الاقتصادي).
ويسجل نفس التقرير، وتلك خلاصة هامة جديرة بالتأمل،أن عتبة الولوج للوصول إلى الطبقة الوسطىفي المغرب أعلى بكثير مما كانت عليه في الأسواق الناشئة الأخرى، وذلك بسبب مختلف أوجه قصور السياسات العمومية التي تسفر عن تكاليف وأعباء إضافية هامة بالنسبة للأسر المعيشية: غلاء العقار-غلاء كلفة التعليم الخصوصي- ضعف وسائل النقل العمومية ذات الجودة،- ضعف جودة المنظومة الصحية العمومية- التغطية الصحية المحدودة ومستويات عالية لمساهمات الأسر المعيشية في الإنفاق على الرعاية الصحية....
وفي المحصلة ، فانه عندما تؤخذ هذه التكاليف والأعباء مجتمعة بعين الاعتبار، فإن 15 بالمائة فقط من الأسر المعيشية المغربية تنمي إلى الطبقة الوسطى أو الميسورة، التي تعادل حوالي 5 ملايين نسمة من إجمالي ساكنة تناهز 34 مليون نسمة.
ومن باب المقارنة فان OCDEتقدم أرقاما ومعطيات مختلفة بعض الشيء، وبحسب الدراسة التي أصدرتها هذه المنظمة سنة 2017 تحت عنوان Examen multidimentionnel du Maroc فان الطبقة الوسطى في المغرب تشكل 25% من اجمالي الساكنة ، في حين تشكل في تونس 33% و وفي تركيا 52%، وفي الأردن 63% وفي الشيلي 66% وفي ماليزيا وبولونيا 70% وفي اسبانيا 93%.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إنأغلب الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول الطبقة المتوسطة على قلتها ومحدويتها، تدفعناإلى الخروج بخلاصة أساسية مفادها أن هناك اختلافا يكاد يكون حادا ، ليس فقط في قياس قاعدتها وحجمها ضمن البنية الديمغرافية ، ولكن أيضا حول استمرار وجودها وحركيتها ، بين من يرى أنها تصعد نحو الطبقة البرجوازية،وبين من يرى أنها تتقلص وتتهاوى تدريجيا نحو الطبقات الفقيرة التي تعتبر متضررة مهما كانت الأوضاع، ويظهر أن الفرضيةالأقربالى الحقيقة ،وهذه وجهة نظر أغلب الباحثين،أنها تتجه إلى التراجع نظرا لاختلال التوازن بين دخلها السنوي وبين متطلبات وأعباءالحياة اليومية المتزايدة والمرتفعة التكلفة، ويمكن القول إن صح "التوصيف" أنها تعيش نوعا من "الهشاشة" من المرجح أن تؤدي بها إلى تخفيض مرتبتها الاجتماعية بكل ما قد يترتب عن ذلك من تداعيات ونتائج وخيمة.
وهناك إجماع اليوم على أن هذه الطبقة تجد في المغرب صعوبات في الصمود بل وفي البروز لاسيما بسبب غلاء المعيشة والخلل الوظيفي للخدمات العمومية، وأصبحلتراجعها وانكماشها تجليات واضحة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، حيث تقلصت مبادراتها الاقتصادية وأعرضت عن المشاركة في الحياة السياسية وركزت جهودها في البحث عن تأمين الحد الأدنى لوسائل العيش.
ويعتبر البعض أن أزمة الطبقة الوسطى قد تعمقت خلال العشرية الأخيرة بفعل التضخم وارتفاع الضرائب وأسعار العديد من المواد الأساسية ورفع الدعم عن المحروقاتدون إجراءات مواكبة، وتآكل الدور الاجتماعي للدولة، بالإضافة إلى تأثيرات العولمة والأزمة الدولية. مما جعل هذه الطبقة تعرف انكماشا اقتصاديا وصعوبات اجتماعية عديدة تختلف حسب جهات ومناطق المغرب؛ مما ساهم في خفض نسب الادخار، ورفع نسب الاستدانة على مستوى القروض العقارية والقروض الاستهلاكية وقروض التجهيزات المنزلية وشراء السيارات، وكذا من تراجع اهتمامات الطبقة الوسطى الثقافية والترفيهيةهناك الكثير من المؤشرات التي يمكن أن نعرف من خلالها مدى تآكل الطبقة المتوسطة؛ والتي من بينها النظر إلى تمدد الطبقة الفقيرة، أو اتساع الفجوة بين الطبقة العليا والطبقة المتوسطة، كذلك يوضح مؤشر آخر مدى تأزم الوضع، وهو المستوى المرتفع لمديونية الأسر الذي سجل 30% من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2017، 64% من المديونية قروض عقارية، و36% قروض استهلاكية، وهي نسبة مرتفعة كثيرًا مقارنة بالنسب العالمية، لكنها كذلك انعكاس لحجم الديون التي يعاني منها المغرب الذي يعتبر الأول عربيًّا وأفريقيًّا من حيث نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي
ومن المؤكد أن هذه الوضعية ستعيق ليس فقط الفئات الوسطى من لعب أدوارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمساهمة في تنمية وتطور البلد، بل لها أيضا انعكاس سلبي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لبلادنا، بل وهناك مخاوف من أن تفضي هذه الوضعية الى نتائج وخيمة على مستوى التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي.
ويمكن أن نعتبر أن خطاب جلالة الملك، نصره الله، في ذكرى ثورة الملك والشعب خلال السنة الماضية 2019، هو تأكيدعلى التهميش والحيف الذي تعرضتله هذه الطبقة، رغم دورها البارز والحاسم،فهي ضحية نظام ضريبي غير عادل، ولا تستفيدمن الخدمات المتوفرةلرداءتها وضعفها، سواء في التعليم أو الصحة أو السكن أوالرعاية الاجتماعية وغيره من الخدمات.
لذلك أصبح موضوعانصافها عن الأضرار الناتجة عن الأعطاب التي أعاقت المصعد الاجتماعي، مسألة مستعجلة لإنجاح أي نموذج تنموي وبالتالي يجب أن يفتحالنموذج التنموي الجديد الآفاق أمامها، وأن تكون حاضرة على مستوى مراكز القرار، سواء داخل الدولة أو في المؤسسات العمومية أو الجهات، وكذلك على مستوى استفادتها من عائدات النمو، ومن الفرص التي ستفتح من خلال العمل على تنزيل المساواة بين المواطنين، وتخليق الحياة العامة، والقضاء على جيوب ومشاتل الريع، وإشراكها في الحياة السياسية.
إن هذه الرؤية الاستراتيجية الهادفة إلى ضمان توسع واستقرار الطبقة الوسطى، تلتقي مع خلاصات عدد من الدراسات المقارنة على المستوى الدولي.
ذلك أن منظمة العمل الدولي أصدرت سنة 2016 مؤلفا تحت عنوان "الطبقة الوسطى في أوربا في طريق الانقراض؟ معطيات من عالم العمل وأكدت هذه الدراسة، في معطياتها الإحصائية والتحليلية، عددا من الخلاصات القابلة للاستقراء بالنسبة للسياق المغربي، مع استحضار التمايزات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يستلزمه تمرين المقارنة مع الدول الأوربية:
*- أن توسع الطبقة الوسطى كان مرتبطا بولوج النساء إلى النشاط المهني، كما أن تطور عدد الأسر ذات الدخل المزدوج أدى إلى توسع الطبقات الوسطى خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي؛
*-أن تأمين القطاع العام لبعض الخدمات الاجتماعية (كالعرض التعليمي الملائم وحضانة الأطفال مثلا) أدى إلى ولوج متزايد للنساء إلى سوق العمل، وإلى بروز نموذج الأسر ذات الدخل المزدوج، والحفاظ على استقرار الطبقة الوسطى؛
*- أن تحولات بنية الوظائف والمهن، وكذا آثار الأزمة الاقتصادية والمالية، وارتفاع بطالة الفئات العمرية الشابة، والهشاشة المتزايدة لسوق العمل أدى إلى تقلص الطبقات الوسطى؛
*- أن وضع سياسات لمواجهة التفاوتات الاجتماعية من شأنها الحفاظ على حجم مقبول للطبقات الوسطى؛
*- أن جميع التدابير الهادفة إلى توسيع الإدماج في سوق العمل، وإلى توسيع عرض التكوين المهني(دعم قدرات المهنيين)، أدت إلى توطيد واستقرار الطبقة الوسطى بصفة مباشرة؛
*- أن توطيد آليات الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية يؤدي إلى استقرار ونمو الطبقة الوسطى.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إننا نؤمن أن أيإصلاح بنيوي لنموذجنا التنموي ينبغيأن ينطلق من القيام بنظرة نقدية بناءة للنماذج التنموية الاقتصادية والاجتماعية الجاري بها العمل، لتحديد طبيعة الإصلاحات ذات الأولوية، وأن يُأخذ بعين الاعتبار السياق الذي يحيط به والتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم حاليا من حولنا.
لذلك يشكل موضوع الطبقة الوسطى قضية مهمة وتحديا مجتمعيا ذا اشكاليات كثيرة ومتعددة، وهو موضوع محوري ويشغلنا جميعا وعلى كافة المستويات. وبالتالي فإن الهدف من نقاشنا العمومي والتعددي اليوم هو إثارة انتباه مختلف الفاعلين، وخاصة من يوجدون منهم في مواقع صناعة القرار، إلى ضرورة الوعي بأهمية الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع، غير أن هذا الوعي يجب أن يقترن بإرادة سياسية قوية تجعل هذه الطبقة في صلب نموذجنا التنموي المنتظر صياغته، على اعتبار أنها ستلعب دورا أساسيا في إنجاحه وأنه يجب الإيمانبأنه لا يمكن لبلادنا أن تحقق إقلاعها الاقتصادي وتحافظ على سلمها وتماسكها الاجتماعيين دون صيانة وتوسيع هذه الطبقة التي تشكل صمام أمان المجتمع والدولة.
وإذا كانت بلادنا قد تبنت إستراتيجيتها الخاصة،بعزم وتصميم،في سياق إقليمي ودولي يعرف توترات وتحولات كبرى لا يمكن تجاهلها،للقيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن حسب وتيرتها الخاصة وبإشراك أكبر عدد ممكن من الفاعلين. فإنه يجب التأكيد على أن نجاح أية إصلاحات مرهون بدعم التماسك الاجتماعي وإرساء مناخ من الاستقرار، وينبغي من أجل ذلك العمل على تحقيق تنمية اقتصادية تتيح خلق ما يكفي من الثروات لضمان تنمية الطبقة الوسطى ورفع قدرتها الشرائية، ويؤمن في الآن نفسه تقدم نظام إعادة التوزيع والتضامن،وهذه هي الأسس التي يقوم عليها التماسك الاجتماعي.
إن الاهتمام بهذه الطبقة يقتضي صياغة استراتيجية تنموية جديدة، تتحدد أولوياتها وبرامجها طبقا لاحتياجات مختلف الفئات الاجتماعية وعلى رأسها الفئات المتوسطة، مع تشجيع النمو المستدام والمدمج، وإعادة النظر بشكل شمولي في آليات توزيع الثروة، بما في ذلك الآلية الجبائية والضريبية والتمويلية ومنظومة الأجور، وإقرار التدابير الضرورية لضمان تكافؤ الفرص والعدل والإنصاف والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. بالإضافة إلى التشجيع على المزيد من المشاركة في الحياة السياسية والمدنية، وإلى إصلاح المنظومة البنكية بما يضمن من تخفيف عبء الدين على الطبقة الوسطى وتشجيعها على الادخار والاستثمار.
تلكم بعض الأفكار التي أردت ان اتقاسمها معكم في هذه الجلسة الافتتاحية ، في انتظار الانصات بتمعن وروية لآراء الخبراء والمؤسسات الوطنية والدولية الحكومية وغير الحكومية بغية الإحاطة بمختلف جوانب هذا الموضوع.
و في الأخير أتمنى النجاح لأشغال منتدانا هذا، ونأمل أن تتمخض عن أشغاله توصيات براغماتية وعملية تساعد على تقوية مكانة الطبقة الوسطى الوطنية، كمحرك رئيسي لمسار الاقلاع الشامل، وللثورة التنموية التي تتهيأ بلادنا لإطلاقها تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وشكرا على حسن اصغاءكم، والسلام عليكم ورحمة الله.