معالي السيد النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، ورئيس رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في افريقيا والعالم العربي،
معالي السيدة دلاميني ليندوي، رئيسة مجلس شيوخ مملكة إسواتيني،
السيدات والسادة رؤساء البرلمانات الأعضاء ورؤساء الوفود،
السيدات والسادة ممثلو المنظمات الدولية،
الحضور الكريم،
يطيب لي أن أشارك اليوم في هذا اللقاء التشاوري لرابطتنا، ولا تفوتني الفرصة لأثني على اختيار المحاور المطروحة على جدول أعمال الرابطة، التي تعكس درجة وعينا العالي بمتطلبات الظرفية الراهنة، وكذا التزامنا الدائم من أجل تحقيق تنمية بلداننا وخدمة المصالح العليا لشعوبنا.
ومما لا يخفى عيلكم، فإن بلداننا اليوم تواجه تحديات غير مسبوقة، تزيد الظرفية الدولية والاقليمية من تعقيدها. وهي تحديات مرتبطة أساسا بالأمن الغذائي، والبيئة، والتغيرات المناخية وما يترتب عنها من أزمات مالية، تكبح التنمية وتهدر الثروات المادية وغير المادية. الأمر الذي يفرض علينا، التوجه إلى جذور هذه التحديات التي نواجهها والتعامل معها بعقلانية أكبر من أجل إيجاد حلول فورية تروم إرساء ممارسات جديدة مسايرة للنسق العالمي ومواكبة للأزمات متعددة الأبعاد، بهدف صون حقوق الأجيال القادمة وإنقاذ مستقبل عالمنا.
وكما تعلمون أن الأنظمة الاقتصادية التي تقوم أساسا على اقتصاد السوق، تقود الى حد ما الى الاستغلال المفرط للرأسمال الطبيعي. وهو ما تمخض عنه بروز مفهوم جديد يعزز التنمية المستدامة، يقوم على " اقتصاد أخضر" من شأنه تحقيق التوازن بين الحفاظ والتدبير المستدام للثروات الطبيعية، وخلق مناصب الشغل ثم إنتاج الثروة.
وتفاعلا مع هذا التوجه الدولي، أصبحت " التنمية المستدامة" ببلادنا مشروعا وطنيا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والذي يولي عناية خاصة لمثل هاته القضايا، حيث أكد جلالته في مناسبات وخطب ملكية عديدة على أن "النهوض بالتنمية المستدامة، وفي صلبها المسألة البيئية باعتبارها قوام النمو الأخضر والاقتصاد الجديد، بما يفتحه من آفاق واسعة، لانبثاق أنشطة مبتكرة، واعدة بالتشغيل."
وعلى هذا الأساس، أطلق المغرب عدة مبادرات في مختلف القطاعات الاقتصادية، انكبت على تشجيع وتطوير الطاقات المتجددة وضمان النجاعة الطاقية، وتعبئة الموارد المائية والحفاظ على البيئة والثروة الغابوية، وتحسين تدبير النفايات الصلبة والسائلة، وتصفية المياه العادمة وتشجيع القطاع الفلاحي والسياحة الإيكولوجية.
حضرات السيدات والسادة،
إن إنجاح الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر أضحى رهانا رئيسيا أمام المملكة المغربية، وهو ما عبرت عنه من خلال انضمامها إلى معظم الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف وتفعيلها في منظومتها القانونية، والتزامها الجاد بالعمل بها، وهو ما تجسد في الفصل 31 من دستور المملكة ل 2011، وما تعكسه أيضا الإصلاحات المؤسساتية، وذلك عبر الارتقاء بالبعد البيئي الى قطاع وزاري الذي يترجم ويفعل السياسات العمومية في هذا المجال.
وفي السياق ذاته، عرفت سنة 2014 وضع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة بمثابة القانون الإطار الذي يحدد الأهداف الأساسية لنشاط الدولة في حماية البيئة والتنمية المستدامة. أما في عام 2017، فقد تمت المصادقة على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق الانتقال نحو اقتصاد اخضر مندمج في أفق عام 2030.
أما على المستوى القانوني، فقد قامت المملكة المغربية بتعزيز ترسانتها القانونية، من خلال وضع مجموعة من القوانين ذات الصلة ، منها: القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة، والقانون 47.09 المتعلق بالنجاعة الطاقية، والقانون 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، كما تم وضع إطار قانوني يتكون من اكثر من 250 نصا قانونيا لحماية الثروات الطبيعية، بالإضافة الى التصويت على مشروع قانون رقم 82.21 المتعلق بالإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية والذي تمت بلورته تنفيذا لتوجيهات الاستراتيجية الطاقية، مع الحرص على احترام توصيات النموذج التنموي الجديد المتعلقة بتطوير الإنتاج اللاممركز للكهرباء، وتحسين القدرة التنافسية لقطاع الكهرباء وتبسيط المساطر والاجراءات الإدارية من أجل خلق مناخ ملائم للاستثمار. و في سياق متصل بالنموذج التنموي الجديد، تجدر الإشارة إلى ان اللجنة المعنية بهذا الأخير، كانت قد أكدت في تقريرها العام، على أن الانتقال السريع نحو اقتصاد منخفض الكربون وتنافسي وجذاب للاستخدام الطاقي، سيجعل من المملكة المغربية نموذجا يحتذى به، من حيث أنماط الإنتاج المسؤول والمستدام، كما سيسمح بتوسيع نطاق ولوج العرض المغربي القابل للتصدير إلى الأسواق الواعدة.
أما على المستوى المؤسساتي، فقد تم إحداث الوكالة المغربية للطاقات المتجددة، والوكالة المغربية للطاقة الشمسية ومؤسسات اخرى. كما تم وضع مجموعة من الآليات الاقتصادية والمالية، من قبيل الصندوق الوطني لحماية البيئة والتنمية المستدامة، وصندوق التنمية الطاقية، وصندوق التنمية الفلاحية وغيرها.
بالإضافة إلى جيل جديد من المخططات الاستراتيجية القطاعية، نذكر منها استراتيجية الجيل الأخضر (2020-2030) كثمرة لمجموع مكتسبات مخطط المغرب الأخضر، الذي حقق نتائج مهمة من حيث نمو واستدامة القطاع الفلاحي، وكذا المخطط الوطني للمناخ 2020-2030) الرامي إلى تقوية القدرة على التكيف، وتسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، وتنزيل السياسات الوطنية المتعلقة بالمناخ على المستوى المحلي، ورفع مستوى الوعي للاستجابة لتحديات مكافحة التغير المناخي. كما تم إطلاق خلية مكلفة بالاقتصاد الأخضر تحت مسمى (War Room Green Economy) مخصصة لتنمية المشاريع الخضراء وخلق فرص الشغل ودعم الصناعات الوطنية.
وعلى مستوى المشاريع المنجزة، تم احداث المركب الشمسي نور ورززات (580 ميكا وات) وهو قيد الاستغلال، يعد أحد أكبر المركبات الشمسية الحديثة في العالم، ومن أهم الإنجازات المحققة فيما يتعلق ببرامج الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى محطتين في كل من مدينة العيون ومدينة بوجدور، كما يجري العمل على تشييد محطات اخرى للطاقة الشمسية والريحية في مناطق اخرى من المملكة المغربية. الأمر الذي جعل المغرب يحتل المرتبة الثالثة عالميا في "مؤشر أداء التغير المناخي" لعام 2020.
حضرات السيدات والسادة،
قطع المغرب اشواطا مهمة في مسار الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وعقد العزم على ان يجعل هذا الاخير محورا استراتيجيا في سياسته الخاصة بالتنمية المستدامة. وتعمل المملكة اليوم على تعبئة وتعزيز جهود جل الفاعلين من حكومة وبرلمان وجماعات ترابية، والقطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني، وبناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص للرفع من مستوى الاستثمارات. ويبقى المفتاح الرئيسي لإنجاح مسار الانتقال الأخضر رهينا بإدماج البعد البيئي في كل القطاعات الاقتصادية وبإنشاء صناعة جديدة خضراء، وتعزيز التمويلات الموجهة للاقتصاد الاخضر، وتتبع الكفاءات وخلق مراكز وطنية للبحث والابتكار في المهن الخضراء الجديدة، والانفتاح على المحيطين الدولي والإقليمي بهدف تبادل التجارب والخبرات في هذا الصدد. بالإضافة إلى وضع استراتيجية شاملة مهيكلة لهذا الاقتصاد، وبرنامج وطني شامل في التكوين والبحث والتطوير، ووضع سياسة ضريبية مشجعة لتطوير المهن الخضراء، وتطوير السلوك الاجتماعي في هذا الإطار، وتفعيل القوانين البيئية الموجودة من خلال وضع وسائل للمراقبة والتتبع.