السيد رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، رئيس لجنة الحق في الحصول على المعلومات المحترم؛
السيد نائب الوكيل العام ممثل السلطة القضائية المحترم،
السيدة المحترمة رئيسة الفريق والسادة رؤساء الفرق والمجموعات النيابية المحترمين،
السيدة المحترمة رئيسة اللجنة والسادة رؤساء اللجان المحترمين؛
السيدات المستشارات والسادة المستشارين المحترمين؛
السيدات والسادة ممثلي الهيئات والمؤسسات العمومية وفعاليات المجتمع المدني؛
الحضور الكريم.
يسعدني في البداية أن أرحب بكم جميعا، كل باسمه وصفته، في هذه الندوة الاحتفائية التي ينظمها مجلسنا الموقر بشراكة مع اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، بمناسبة اليوم الدولي لحماية المعطيات (الذي يخلد يوم 28 يناير من كل سنة). وتعتبر هذه الندوة محطة أولى ضمن مشروع شراكة وتعاون مع هذه اللجنة ولجنة الحق في الحصول على المعلومات ستتبعها خطوات ومشاريع أخرى موضوع تداول بيننا، فضلا عن كونها تدخل في سياق الترجمة الفعلية للاختيارات الإستراتيجية لمجلس المستشارين المتمثلة في الانفتاح على المحيط والتعاون مع مختلف المؤسسات والهيئات الدستورية والعمومية الوطنية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
يكتسي موضوع حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي أهمية قصوى ليس فقط في بلادنا بل على المستوى العالمي، إذا أخذنا بعين الاعتبار التحدي المطروح على المنتظم الدولي من أجل توحيد الجهود بغية ضمان حماية فعالة، على اعتبار أن الحماية تهدف إلى تعزيز الحريات والحقوق الأساسية للأفراد عبر تأمين مزيد من الضمانات القانونية والدستورية والحفاظ على حرمة الحياة الخاصة من الاستغلال.
وكما لا يخفى عليكم تعتبر حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي كركن أساس في حماية الخصوصية، ومن أهم عناصر بناء الثقة في الفضاء السيبراني والاستخدام الآمن لتقنيات المعلومات والاتصالات، لاسيما في المجال الاقتصادي والتنمية.
ويستشف، من التعريفات العديدة، التي اعتمدت، في مختلف القوانين المقارنة التي تنظم معالجة المعطيات الشخصية، أو تبادلها، أو نشرها، أن الهم الأساسي من حمايتها هو الحفاظ على حق الشخص في الخصوصية. وضمن هذا المنطق،فالقانون الدولي لحقوق الإنسان قد نص في نفس الآن على إلزامية أن يكون أي تدخل في الحق في الخصوصية قانونيا، ووجوبا أن يتاح لمن ينتهك حقه في الخصوصية الوصول إلى سبل التظلم والانتصاف الفعالين.
على هذا الأساس، يعتبر الإقرار بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، اقرارا بحق المواطن، في الحفاظ على خصوصيته من جهة أولى، كما يعني إقراراً بحق الدولة في الاطلاع على هذه البيانات، ومعالجتها، ضمن إطار قانوني وتنظيمي محدد وواضح، بما يسمح للسلطات المختصة، بمنع وقوع أعمال مخلة بالأمن والنظام، أو بملاحقة ومعاقبة مرتكبيها، من جهة ثانية.
وتبعا لذلك يجدر التذكير بأن احترام الحياة الخاصة يعتبر من الحقوق الملازمة للشخص الطبيعي بصفته الإنسانية، ولهذا تحرص الدول الديمقراطية على حماية هذا الحق وتعتبره مستقلا بذاته، وهي لا تكتفي بسن القوانين بل تسعى إلى ترسيخه في الأذهان. وبناء عليه يشكل هذا الحق الأساس الذي يقوم عليه الحق في حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وترتبط حمايتها بالحاجة إلى حماية الحقوق والحريات الخاصة.
وفي نفس الاتجاه، برز الاهتمام بعدد من الحقوق المرتبطة بتدفق المعلومات على الإنترنت، دون قيود، كالحق في الوصول إليها، والحق في تبادلهاونشرها. إلا أن الحذر من الأخطار التي يمكن أن تترتب على حركة هذه المعلومات ، كان السبب الأساسي في إثارة مسألة الحق في الحفاظ على الخصوصية ومن داخلها حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
وفي ذات السياق تزايد مدى الانشغال الدولي، منذ سنوات السبعينات، بالحفاظ على المعطيات ذات الطابع الشخصي كخطوة ضرورية للحفاظ على الحق في الخصوصية، مما تطلب اتخاذ العديد من القرارات، سواء من قبل الاتحاد الأوروبي أو في إطار الأمم المتحدة، وتبنت العديد من الدول تشريعات وقوانين ترمي إلى حماية الحياة الخاصة للأشخاص الطبيعيين من نتائج معالجتها في إطار إنشاء قواعد بيانات في القطاعين العام والخاص.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
لقد أدى انتشار واستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة، خلال القرن الحالي، إلى تزايد التهديدات التي تمس خصوصية الإنسان وذلك بسبب الانتشار الواسع للمعطيات الشخصية في المجال الرقمي. بحيث أنه مع تنامي التقنيات الحديثة وتطورها زادت المخاطر والتهديدات على الخصوصية وأصبح من الضروري محاصرة التقنيات الجديدة في انتهاك المعطيات الشخصية. وفي هذا الإطار اعتمدت عدة قوانين دولية ووطنية تهدف إلى حماية الأشخاص الذاتيين اتجاه المخاطر المرتبطة بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وهي قوانين وتشريعات جاءت في سياق رد الفعل على ازدياد أعمال جمع وتخزين ونقل وتبادل المعطيات الشخصية عن طريق التقنيات والتكنولوجيا الحديثة.
كما أن التركيز المتزايد على حماية خصوصية المعطيات كان له صدى جلي في مداولات ونقاشات الأجهزة الأممية لحقوق الإنسان، ففي عام 2015 أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولاية جديدة للمقرر الخاص بشأن الحق في حماية الخصوصية. ومنذ ذلك الحين، يقوم مجلس حقوق الإنسان بانتظام، باعتماد قرارات بشأن الخصوصية في العصر الرقمي على شكل توصيات للدول والشركات.
وفي ذات الإطار فإن بلادنا على غرار العديد من الدول الديموقراطية أعطت أهمية خاصة لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ومنذ بداية القرن الحالي برهن المغرب عن إرادته الثابتة باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وذلك من خلال عدد من الاصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
تتوفر بلادنا اليوم على إطار دستوري وقانوني ومؤسساتي مهم يتمثل أولا، في الفصل 24 من دستور 2011 الذي ينص على الحق في حماية الحياة الخاصة.ثم ثانيا القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين اتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، والذي بموجبه تم إحداث اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي كسلطة إشراف ومراقبة.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي أقر، لأول مرة في بلادنا، جملة من المقتضيات القانونية الهادفة إلى حماية الهوية والحقوق والحريات الفردية والجماعية والحياة الخاصة من كل ما من شأنه أن يمس بها عبر استخدام المعلوميات. ويحدد القانون، من بين عدة أمور أخرى ، الحق في الولوج إلى القواعد التي تتضمن المعطيات الشخصية، والتعرض على بعض عمليات المعالجة، وطلب تصحيح المعطيات الخاطئة أو مسح المعطيات التي انتهت صلاحيتها أو التي تم تحقيق الغاية من معالجتها.
وقد أصبحت بلادنا، باعتماد هذا القانون، واحدة من الدول الأولى في شمال أفريقيا والمنطقة العربية والإفريقية التي تتوفر على نظام كامل للحماية، وإحدى الوجهات الآمنة في مجال تداول المعطيات الشخصية دون أن نغفل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. الذي تضمن أيضا مقتضيات خاصة بحماية الحياة الخاصة، أضيفت إلى مجموعة القانون الجنائي.
ولا يفوتني هنا التذكير بأن هناك بعض المقتضيات القانونية الأخرى ذات الصلة بهذا الموضوع والمتضمنة في مجموعة من النصوص القانونية الأخرى (القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية،القانون المتعلق بالبريد والمواصلات).
بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها بلادنا في إطار سياسة الجوار الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وأهمها اتفاقية بودابست والاتفاقية رقم 108 لمجلس أوروبا وبروتوكولها الإضافي.
ونود التنويه، إلى أنه تم اعتماد، يوم 18 يناير 2022 ، من قبل مجلسنا الموقر لمشروع قانون رقم 52.21 يوافق بموجبه على اتفاقية الاتحاد الأفريقي بشأن أمن الفضاء الإلكتروني وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي، المعتمدة بمالابو (غينيا الاستوائية) في 27 يونيو 2014.
كما وجبت الإحاطة علما إلى أن هناك مشروع قانون رقم 53.21 يوافق بموجبه على بروتوكول تعديل اتفاقية مجلس أوروبا رقم 108 لحماية الأشخاص تجاه المعالجة الآلية للمعطيات ذات الطابع الشخصي، الموقع بستراسبورغ في 10 أكتوبر 2018، معروض حاليا على مجلس النواب وسيحال لاحقا على مجلسنا لاستكمال مسطرة المصادقة. كما لا يفوتني التذكير بأن بلادنا تشارك أيضًا في المشروع المشترك بين الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي للعمل الشامل لمكافحة الجريمة المعلوماتية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إن تحديات العولمة والتحول إلى الرقمنة نتج عنه إنتاج حجم كبير من المعطيات ذات الطابع الشخصي وسهولة في الحصول عليها وتداولها، وفي المقابل تزايد حجم التهديدات والمخاطر التي تترتب على معالجتها وتدبيرها واستخدامها بشكل خاطئ وغير مشروع. مما يضاعف من ثقل مسؤولية رفع تحدي إرساء نظام فعال للحماية من خلال عدة مداخل من بينها فرض إجراءات قانونية صارمة ضد إساءة استخدام المعطيات ذات الطابع الشخصي، والاعتداء على الخصوصية. كما أنه لا بد من الالتزام بتطبيق ومواكبة أرقى المعاييرفي هذا المجال، حفاظا على إمكانات وفرص الاستفادة مما يمكن أن تقدمه التقنيات الحديثة في معالجة البيانات، سواء على مستوى تطوير الاقتصاد، أو على مستوى التنمية الاجتماعية والثقافية.
لذلك فإننا نعتبر أن من بين المداخل الأساسية، ومن ضمنها مجال اختصاصنا كمؤسسة تشريعية، هو المدخل القانوني من خلال تجويد الإطار القانوني والتنظيمي، لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وتحقيق الملائمة مع الإطار المعياري الأممي لحقوق الإنسان وتوجهات المنظمات والهيئات الدولية، كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والاتحاد الأوروبي، اللذين أصدرا عددا من التوجيهات، والإرشادات، والقرارات، حول مبادئ حماية المعطيات ذان الطابع الشخصي.
ختاما ولأننا نؤمن أن الملاءمة على المستوى القانوني، تشكل فرصة أساسية لمواجهة التحديات، فإنه يتعين، من منظورنا المتواضع، الاسترشاد بالممارسات القارية والجهوية الفضلى في الموضوع للوقوف على مدى تقارب القوانين الوطنية الخاصة بحماية المعطيات الشخصية، فيما بينها، من جهة أولى، ومدى انسجامها مع القوانين والتشريعات الدولية، والتوصيات المعتمدة عالميا، من جهة ثانية، عبر تبيان نقاط الالتقاء والاختلاف لاستخلاص العبر المناسبة والجديرة بالاعتبار في سياقنا المغربي. وهذا، بالطبع، ما نسعى لبلوغه من هذه الندوة المهمة التي تشكل فرصة لتقديم تفاصيل أوفى حول موضوع حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ومناسبة للتعريف بما تحقق في هذا الموضوع والعمل الذي تقوم به اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي والعوائق التي تعترض عملها، وأيضا فرصة للوقوف على التحديات والرهانات الدولية والوطنية ذات الصلة.
وشكرا على حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.